توحي الأجواء السياسية بأن الأمور في لبنان مقفلة على الحلول، حيث لا إمكانية ل​تأليف حكومة​ أو إنتخاب رئيس قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، الأمر الذي يرجّح الوصول إلى الأزمة الدستورية التي يحذّر منها غالبية الأفرقاء، لا سيما في ظل المواقف الملتبسة التي تصدر عن "التيار الوطني الحر"، نظراً إلى التداعيات التي من المتوقع أن تتركها على كافة المستويات.

في المرحلة الراهنة، تكثر الطروحات التي تقدم من قبل مختلف القوى السياسية، إلا أن الجميع يدرك عدم قدرة أحد على فرض شروطه على الآخر، فلا قوى الثامن من آذار قادرة على إيصال مرشح من صفوفها من دون الإتفاق مع كتل تنتمي إلى قوى المعارضة، ولا الأخيرة تستطيع ذلك، في حال نجحت بالإتفاق فيما بينها، على إيصال شخصية لا تحظى بموافقة قوى الثامن من آذار، بينما على المستوى الحكومي السجال لا يقل خطورة.

إنطلاقاً من ذلك، ترى أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن المعادلة الأكثر وضوحاً باتت تقوم على أساس قدرة كل فريق على إستخدام "الفيتو" بوجه طروحات الفريق الآخر، لا سيما على مستوى ​الإستحقاق الرئاسي​، الأمر الذي يتطلب من الجميع الإتفاق معاً على شخصية قادرة على أن تشكل نقطة تلاقٍ، لكنها تلفت إلى أن هذا الأمر غير ممكن، على الأقل في الوقت الراهن، من دون تدخل خارجي.

في الوقت الحالي، لم تظهر أي جهة إقليمية أو دولية إهتماماً إستثنائياً بالملف اللبناني، بإستثناء الجانب الفرنسي الذي بدأ التحرك في الأيام الماضية، لكن الأكيد أن باريس غير قادرة وحدها على فرض أي تسوية على الأفرقاء المحليين، بدليل ما حصل منذ إنطلاق مبادرتها بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020، نظراً إلى وجود لاعبين دوليين وإقليميين أكثر تأثيراً في الساحة اللبنانية.

بالنسبة إلى الأوساط نفسها، أقصى ما يمكن أن تقوم به ​فرنسا​ على هذا الصعيد هو لعب دور الوسيط بين اللاعبين الآخرين، من خلال قدرتها على التواصل مع الجميع، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي، إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن ينجح من دون توفر الأجواء أو الرغبة الحقيقية في ذلك، وهو ما لم تظهر معالمه حتى الساعة، نظراً إلى أن الكل لا يزال في مرحلة التصعيد، التي قد يكون أساسها السعي إلى تحسين أوراق القوة.

ضمن هذه المعادلة، يصبح من المنطقي الحديث عن مهلة زمنية، باتت قائمة بحكم الخطر الكامن في حال الوصول إلى الشغور الرئاسي في ظل حكومة ​تصريف الأعمال​، خصوصاً أن "التيار الوطني الحر" كان قد أعلن أنه في وارد الذهاب بعيداً بحال حصول ذلك، حيث سيسعى مختلف الأفرقاء ضمن هذه المهلة إلى لعب غالبيّة أوراق قوّتهم، لكن الخطر يكمن بأن هذه اللعبة قد تخرج عن السيطرة في لحظة ما.

في المحصّلة، ترسم هذه الأوساط الكثير من علامات الإستفهام حول عودة بعض التوترات الأمنية والإجتماعية إلى الواجهة من جديد، حيث تشير إلى أن إرتباط هذه التوترات بالأزمة القائمة على المستوى السياسي، يدفع البعض إلى الحديث عن أنها قد تكون مقصودة، بهدف إستدعاء التدخل الخارجي من أجل إنتاج تسوية، بغض النظر عن حجمها ومكوناتها، نظراً إلى أنّ الهدف قد يكون تشكيل حكومة جديدة او إنتخاب رئيس للجمهورية، حتى ولو كان الخيار الأول هو المرجح.