انعكست حرارة المفاوضات على ​ترسيم الحدود​ البحريّة الجنوبيّة، على الوضع الحكومي وفق ما تفيد المعلومات في هذا المجال. فمع الافراط في بثّ اجواء التفاؤل على مسار المفاوضات الحدوديّة والتي تزامنت مع اعلان قبرص و​اسرائيل​ نيّتهما تجاوز الخلافات للاسراع في الوصول الى اتفاق بينهما على الغاز والنفط، ذهب البعض الى القول انّ التوقيع على الاتفاق مع لبنان لن يتأخّر عن الشهر المقبل. وفيما يبدو انّ هذا الملف يسلك طريقاً غير شائك، كان محور الوضع الحكومي يشهد تحركاً ناشطاً على الرغم من تواجد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي خارج لبنان للقيام بواجبات دبلوماسية.

مصادر متابعة لهذا الملف قاربت الموضوع بالطريقة التالية: مفاوضات الترسيم الحكومي تكثفت على غرار الترسيم البحري، وبدل ان يكون الوسيط هو الاميركي ​آموس هوكشتاين​، فإن الوسيط في هذه المسألة هو ​حزب الله​ الذي يتفق الجميع على انه بات ضالعاً بقوّة لانجاز التشكيلة الحكوميّة على طريقة "ابو ملحم"، مع الابقاء على بعض "المونة" من هنا وهناك على الاطراف لتجاوز بعض الامور التي لن تفيد سوى في تأخير المؤكّد. ومن بين هذه الامور، العودة الى خط الـ24 وزيراً بعد ان بات خط الـ30 غير صالح للتفاوض بشأنه، في وقت تشير مصادر مطّلعة الى انّ صاحب هذا الطرح (ايّ رئيس الجمهورية)، كان يدرك ممانعة البعض وفي مقدّمهم رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ له، انما اراد من ورائه الحصول على مقابل. وبغض النظر عن صحة ما يقال في هذا المجال، فإن المؤكد ان حكومة الـ30 لن تبصر النور في هذه الفترة.

في المقابل، لم تعد الامور بمثابة "تكسير عظم" بين رئيس التيار الوطني الحر ​جبران باسيل​ وميقاتي، بحيث انه يبدو ان ​وزارة الطاقة​ لم تعد "أم المعارك" ومن المرجّح، اذا ما بقيت الاوضاع على ما هي عليه حالياً، الابقاء عليها من حصّة التيار.

اما وزارة الاقتصاد فموضوع آخر، لانّها تحولت الى مسألة "شخصيّة" بالنسبة الى ميقاتي، وفق المصادر نفسها، التي ذكرت انّه لن يقبل بمنافسة سنّية له داخل الحكومة، وان رئيس الحكومة المكلّف بات يعتبر من الواضح جنوح الوزير الحالي امين سلام الى مركز اعلى حتى لو لم يصل اليه، وهو يرى (اي ميقاتي) ان مجرد المحاولة هو بمثابة تهديد له، وعليه من غير الممكن بقاء من يهدده في حكومة ستتولى زمام الامور في البلاد الى ان يأتي الفرج بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وتتابع المصادر نفسها انه من هذا المنطلق، فإن ما ينطبق على سلام ينسحب ايضاً على وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين، ويتسلّح ميقاتي بأنّه لم يعد له تمثيل سياسي بعد سقوط النائب السابق طلال ارسلان في الانتخابات النّيابية، ويمكن تجاوز هذه العقبة بسهولة ومن دون اي حرج.

اما العقدة الاخرى، وفق المصادر، فتتمثّل بمسالة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، لانه اذا تم الانطلاق من عدم التمثيل السياسي الوازن، فإن الحزب الذي اتى بالشامي، اصبح في وضع خطر وهو يعاني من انقسام داخلي كبير، فمن الذي سيرثه؟ هنا يلعب الحزب دوراً حسّاساً لانّه يرى في المركز صلاحية سياسية له (كون الشامي تابع للرؤية السياسية نفسها)، ولا يمكنه في المقابل التفريط بحق التيار الوطني الحر في وراثة هذا المنصب لانه لمسيحي، ولا وجود لكتلة مسيحيّة كبيرة في الحكومة وضمن الرؤية السياسية نفسها الا التيار، لذلك تنصبّ الجهود لحلّ اشكاليتين: الاولى تكمن في محاولة ابقاء الشامي كونه لا يشكل خطراً او استفزازاً لاحد، والثاني دفع التيار في حال خروج الشامي، الى ايجاد بديل له ضمن المواصفات نفسها اي لا يشكل تهديداً ولا استفزازاً لاحد.

يتفاءل الكثيرون بقدرة الحزب على التغلب على هوكشتاين من ناحية المفاوضات والسباق انطلق بينهما على الرغم من تباعد الملفين المعنيين، ووفق المعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة، فإن الحزب قد يصل الى مبتغاه قبل الوسيط الاميركي.