استأنف السفير السعودي في بيروت ​وليد البخاري​ حركته السياسية بعد سلسلة لقاءات عُقِدت في العاصمة الفرنسية، ضمت مسؤولين فرنسيين وسعوديين من بينهم البخاري، للبحث في الملف اللبناني.

وذكرت صحيفة "الاخبار" بان الجانب السعودي كان حاسماً في رفض أي تعاون مع باريس التي أبقت خطوطها مفتوحة مع حزب الله، مؤكداً "أننا غير معنيين بأي تسوية حكومية أو رئاسية"، لكن هذا الموقف لم يعنِ انسحاباً من المشهد. إذ تريد الرياض أن تلعب منفردة، وقد بدأت مسعى للمّ شمل خصوم حزب الله من القوى السياسية مع قوى "التغيير" و"المستقلين" لجمعهم ضمن فريق واحد، وتركّز خصوصاً على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ لاستعادته من "موقعه الوسطيّ" ليكون "صفاً واحداً مع هؤلاء في الاستحقاقات المقبلة".

في هذا الإطار، برزت "الرسائل" التي وجّهها البخاري، إثر لقائه جنبلاط أول من أمس، لـ "تأكيد المواقف المشتركة والتحذير من مغبة عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري"، مُستتبعاً ذلك بزيارة لمعراب أمس. وقد أتى اللقاء مع جنبلاط بعدما رسمَ الأخير لنفسه عبر مواقفه دوراً "مُحايداً"، معلناً "ضرورة الحوار مع حزب الله لأنه مكوّن أساسي في البلد"، ومتسائلاً: "لماذا لا يحق له أن يحاور الجار الذي هو حزب الله، فيما تحاور كل من الولايات المتحدة والسعودية إيران بالواسطة".

هذا القدر من الواقعية في إقرار جنبلاط، دفع حزب القوات إلى لعب دوره التقليدي في التحريض كما في أدائه السابق ضد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. إذ تولت معراب في الفترة الماضية الترويج لدى السعوديين لفكرة أن "جنبلاط المسؤول الأول عن فرط عقد 14 آذار وعمّا آلت إليه أوضاع هذا الفريق". واستكملت التحريض بعد لقاء جنبلاط بوفد من حزب الله الشهر الماضي باتهام زعيم المختارة بـ "تكرار ​سياسة​ سعد الحريري وتسليم البلد للحزب"، مركّزة على فريق في الاشتراكي يتمثّل بالوزير السابق غازي العريضي الذي "دعمَ فكرة الحوار وتولى التواصل مع حارة حريك".

وجاء الردّ على الهجمة القواتية بعدم السماح لأي شخصية اشتراكية بحضور "قداس شهداء القوات اللبنانية" في معراب قبلَ أسبوعين، بمن في ذلك النائب مروان حمادة الذي اعتاد إبقاء التواصل مع معراب مفتوحاً. وقالت مصادر مطلعة أن "الجو بين القوات والاشتراكي متوتر إلى حدّ كبير جرّاء هذه الحملة"، مشيرة إلى أن "القوات ترد على جنبلاط لكونه هو أول من وضع رسماً تشبيهياً للرئيس المقبل، أول خطوطه أن لا يكون رئيس مواجهة وغير استفزازي، وهو أعلن أن ليس لديه أي رئيس مواجهة قاصداً بالدرجة الأولى سمير جعجع".

وكشفت المصادر عبر "الاخبار" أن "القوات والبخاري يتحدثان الآن عن رئيس ليسَ من 8 آذار بعدَ أن كانَ سقفهما السابق رئيس سيادي من 14 آذار"، مضيفة أن "السفير السعودي في بيروت يتولّى الآن مهمة إعادة لمّ شمل ما يُسمى فريق 14 آذار من أحزاب سياسية والقوى التي تُطلِق على نفسها اسم التغييريين فضلاً عن النواب المستقلين".

وقالت المصادر إن "زيارة البخاري إلى جنبلاط تأتي في هذا السياق، إذ تحاول المملكة استمالة الأخير مجدداً إلى المحور الذي تمثله، لأنها تريد جمع أكبر عدد من النواب خلف مرشح رئاسي واحد منعاً لوصول أي شخصية يدعمها حزب الله"، مشيرة إلى أنها "تسعى إلى عدم تكرار تجربة انتخاب رئيس مجلس النواب لجهة تأمين النصاب وهو الأمر الذي أسهم فيه جنبلاط الذي صارَ الممثل الوحيد للدروز في السلطة بعدَ خسارة كل خصومه في الانتخابات الأخيرة"، لذا "نُصِحت من قبل خصوم 8 آذار بضرورة استرداد جنبلاط".

أميركي اسرائيلي

على صعيد مختلف، سألت "الاخبار" كيف يتم التعامل بسرعة البرق مع موقوف أجنبي تبين أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية وهو من الديانة اليهودية، بعدما دخل إلى لبنان بجواز سفر أميركي، وقرر أن مدة زيارته محصورة بـ 24 ساعة فقط، وهي فترة كافية كي يستخدمها عملاء العدو لتنفيذ عمل أمني والمغادرة سريعاً؟ علماً أن توقيفه تم بناء على اتصال أجراه موظف في أحد فنادق الحمرا بعدما اشتبه فيه.

وفي التفاصيل، فقد دخل مواطن أميركي يحمل الجنسية الإسرائيلية يدعى شلومو زلمان، إلى بيروت في زيارة خاصة لمدة 24 ساعة، وأوقف بالتعاون بين فرع مخابرات الجيش في الحمرا حيث كان ينزل المشتبه فيه، وبين الأمن العام الذي تولى توقيفه والتحقيق معه قبل إطلاق سراحه بناء لإشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، بعد اتصالات مكثفة أجرتها السفارة الأميركية في بيروت. كما تردد أن مسؤولين أميركيين في واشنطن أجروا اتصالات مع لبنان.

وقد تبين أن الضغوط الأميركية كانت سريعة ومكثفة، ما أدى إلى ترتيب الأمر لناحية إعطاء القضاء العسكري إشارة بإخلاء سبيل الموقوف رهن التحقيق ليلة 13 أيلول الجاري (أي بعد ساعات من توقيفه)، والإبقاء على هاتفه لدى المحققين، ليعود إلى الفندق الذي رفضت إدارته استقباله، فتوجّه إلى فندق آخر حيث أمضى ليلته قبل أن يعود صباح اليوم التالي إلى مقر الأمن العام لاسترداد هاتفه قبل أن يتوجّه إلى المطار ويغادر من دون أي عائق.

والسؤال: ألم يكن بمقدور الأمن العام والقضاء العسكري الإبقاء عليه محتجزاً طالما أن التحقيقات جارية ولم يجر تخطي المهلة القانونية للتوقيف المحددة بـ 48 ساعة، أم أن هناك من خضع لضغوط أميركية وبادر إلى إغلاق محضر التحقيق وإقفال القضية تسهيلاً لسفره برعاية السفارة الأميركية في بيروت وعبر الفريق الأمني العامل فيها؟

مصادر قضائية على صلة بالتحقيق، قالت إن قرار الإفراج عن "الأميركي" جاء بعد التثبت من عدم تخطيه للقوانين اللبنانية أو ضلوعه في أعمال تجسّسية أو ذات أبعاد أمنية. وأشارت إلى أنه لو كان ينوي تنفيذ عمل أمني، ما كان دوّن في طلب الحجز الفندقي تفاصيل خاصة به كجنسيته الأولى الإسرائيلية ومكان إقامته إسرائيل.

وفي المقابل، قدرت مصادر أخرى في حديث لـ"الأخبار" أن "شلومو" قام بالحجز الفندقي أثناء وجوده في الإمارات العربية المتحدة وليس في إسرائيل، وإن من تولى تقديم الحجز شركة تقديم خدمات سياحية إماراتية، ما يحتمل أن يكون "الجاسوس المفترض" على غير علم بما دون في طلب الحجز.