بحسب مصادر نيابية لـ "الجمهورية"، فإنه على رغم الاعتراضات الواسعة على الموازنة، التي عبّرت عنها مختلف التوجهات النيابية، فإنّ الجو النيابي العام السابق لجلسة الاثنين يَنحى في اتجاه اقرار الموازنة على اساس 15 الف ليرة للدولار الجمركي، وبكل ما تتضمنه من عدم توازن وأعباء وافتقادها للتقديمات الضرورية التي تساعد المواطن على التعايش مع الازمة الخانقة التي تعصف به.

وتشير المصادر الى «ان هذه الموازنة، معروف من الاساس انها لن تشيل الزير من البير، وانها موازنة عن سنة انتهت تقريباً، وبالتالي فإن إقرارها يبقى افضل بكثير من عدمه، اذ انه يؤدي الى شيء من الانفراج، خصوصا ان الدولة يصبح لديها امكانية ان تصرف، على ان التعويل الاساس يبقى على موازنة العام 2023، التي يفترض ان تَعِد في جو سياسي جديد، وتراعي بمضامينها، وبالعمق متطلبات البلد، بالاستناد الى خطة التعافي التي يفترض ان تعلن بصورتها النهائية والثابتة في القريب العاجل.

واذ تلفت المصادر عينها الى الاشارات الاعتراضية التي وردت من صندوق النقد الدولي على إقرار موازنة محتسبة ايراداتها على اساس 15 الف ليرة للدولار الجمركي، وتأكيده وجوب اعتماد سقف سعر صيرفة لاحتساب هذه الايرادات، فإنها في الوقت ذاته تؤكد ان ما يطلبه صندوق النقد في هذا المجال لا يلقى قبولاً من مختلف القوى السياسية والنيابية، وذلك ينطوي على مخاطر كبيرة، واعباء شديدة على المواطنين، خصوصا انّ اعتماد سعر صيرفة معناه انّ الاسعار سترتفع بشكل جنوني على مختلف السلع، وهذا من شأنه ان يحدث ارباكا كبيرا على مستوى الفئات الشعبية التي لن تقوى على الاستمرار مع هذا الرفع.

وردا على سؤال عما اذا كان من شأن الاصرار على دولار جمركي بـ15 الف ليرة، أن يعطّل المسار نحو برنامج تعاون مع صندوق النقد الدولي، قالت المصادر: نحن لسنا متفاجئين بمطالب صندوق النقد، فهو له رؤيته، انما الواقع اللبناني لا يستطيع ان يتحمل دولارا جمركيا يقارب الاربعين الف ليرة، حيث انه بدل ان يعالج ويخفّف عجز المواطن، قد يؤدي الى فوضى اجتماعية شاملة تفتح البلد على منزلقات لا حدود لها. حتى ان دولار 15 الف ليرة المقترح من قبل الحكومة، هو إجراء ضاغط جداً على المواطنين، ولا قدرة لهم على تحمّل نتائجه، فكيف الحال مع دولار بحدود الاربعين ألفاً؟

الحكومة على النار

حكومياً، وفق ما هو سائد في اجواء الملف الحكومي، فإنّ تشكيلة الحكومة الجديدة، او بالأحرى الحكومة القديمة الجديدة، باتت، وكما تجزم لـ«الجمهورية» مصادر سياسية معنية بملف التأليف، «على مسافة امتار قليلة جدا من لحظة إصدار مراسيمها».

وبحسب المصادر فإن الصيغة الحكومية التي تؤشّر الوقائع المحيطة بملف التأليف الى انها، إن كانت النوايا صافية ولم تبرز عراقيل مانعة ومعطِّلة لها، ستولَد في غضون ايام قليلة اقصاها الاسبوع المقبل. مشيرة الى انّ ما ينقص الصيغة الحكومية هو بعض «الروتوش» الذي ينتظر عودة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من نيويورك لإنهائه مع رئيس الجمهورية ميشال عون.

وحسمت المصادر ان لا تعديل في حجم الحكومة بحيث انها باقية 24 وزيرا، ولا بجوهرها كحكومة تكنوقراط، بلا وزراء سياسيين او حزبيين، انما التعديل المطروح قد يتناول اربعة وزراء، حيث ان المحسوم خروجهم من الحكومة هم: وزير الاقتصاد امين سلام، وزير المهجرين عصام شرف الدين، وزير المال يوسف الخليل، اما الوزير الرابع فمسيحي، كون التغيير المطروح من الاساس طالَ وزيرا سنيا ووزيرا درزيا ووزيرا شيعيا، فسيطال ايضا وزيرا مسيحيا.

ما الذي تبدّل؟

على انّ السؤال الذي يطرح نفسه على البساط الحكومي هو ان الامور في ملف التأليف كانت قد وصلت الى طريق مسدود بالشروط والمعايير المتصادمة بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي والرئيس المكلف، ولكنها نَحَت فجأة في اتجاه توليد حكومة، فما الذي حصل، وما الذي تبدّل، ومَن تنازل لمن؟

مصادر سياسية موثوقة كشفت لـ«الجمهورية» ان جميع المعنيين بالملف الحكومي حُشروا في زاوية شروطهم التي شكلت المانع الاساس امام ولادة حكومة كان يفترض ان تولد غداة تكليف ميقاتي بأيام قليلة، وقد حصلت مداخلات عديدة من اطراف سياسية داخلية، اشتغلت حتى الامس القريب بين عون، ومعه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وبين ميقاتي، أفضَت الى تقريب وجهات االنظر والتنازل المتبادل عن الشروط العالية السقف، لمصلحة تشكيل حكومة. والسبب الاساس في ذلك ينحصر في الاجواء التي سادت في الفترة الاخيرة ولاحت فيها نُذر إشكالات كبرى بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، في حال لم يُنتخَب رئيس جديد للجمهورية، وفي ظل حكومة تصريف اعمال بدأت جهات سياسية، ومن ضمنها التيار الوطني الحر، في التشكيك بدستوريتها وتؤكد على عدم صلاحيتها في تولي صلاحيات رئيس الجمهورية.

ولفتت المصادر الى انّ الاصدقاء المشتركين قاموا بجهود حثيثة، وكذلك الفرنسيون الذين أرسلوا تمنيات متتالية حثّوا من خلالها على تشكيل حكومة، تجنيباً للبنان الوقوع في اي منزلقات سياسية تزيد من تعقيدات أزمته. امّا الدافع الاهم لهذا التنازل فهو الخوف من انزلاق البلد الى مشكل كبير، لا يضمن احد مسبقاً عدم وقوعه، ولا تقدير حجم تداعياته وارتداداته.

ورداً على سؤال عما اذا كانت المصادر متيقّنة من عدم حصول مداخلات في آخر لحظة تفشل كل جهود التأليف وتعيد الامور الى مربّع الصفر، على ما حصل في محطات سابقة، قالت المصادر: لسنا نضمن احداً، فالامور الآن تبدو وكأنّ الكل متوافقون على التأليف بعيداً عن الشروط التعجيزية من هنا وهناك، اي رئيس الجمهورية وفريقه السياسي والرئيس المكلف وسائر القوى المعنية بالمشاركة في الحكومة، وان استمر هذا التوافق فالحكومة ستولد حتماً في غضون ايام معدودة، الا اذا قرّر احدهم ان يغيّر رأيه في آخر لحظة (في اشارة الى جبران باسيل)، فهنا لا حولا ولا».