غلبَ الترقب بانتظار ما ستُفضي إليه الوساطة الأميركية في شأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. ومع أن المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في نيويورك تحدثوا عن قرب التوصل الى اتفاق، لمّحت مصادر سياسية بارزة، بكثير من الحذر إلى إمكان أن تشهد الأيام المقبلة بوادر لتعقيدات جديدة، إذ لا يُمكِن الركون إلى مجرد تصريحات قبلَ بلورة الاتفاق بصورة كاملة. وقالت المصادر إننا «أمام أيام حرجة في السعي إلى تفاهم أفضل الممكن مع هذا العدو»، وخاصة أن المعلومات التي ترِد «لا تزال تنطوي على تناقضات»، بينَ «ما وافقت عليه إسرائيل وهي نقاط كثيرة؛ بدءاً من الإقرار الإسرائيلي بأن الخط 23 وكل ما يقع شماله ملك للبنان، بالإضافة إلى حقل قانا بما في ذلك المساحة التي تمتدّ 28 كيلومتراً مربعاً داخل الأراضي الفلسطينية حيث يوجد الخزان الجوفي» وبينَ ما تزال تُصرّ عليه «إسرائيل» بالنسبة إلى «المنطقة الآمنة الواقعة شمال الخط 23»، متسائلة إن «كانَ هناك إقرار إسرائيلي بأن هذه المساحة هي لبنانية، فلماذا تكون تحت وصاية دولية أو خاضعة لترتيبات أمنية»، معتبرة أن «هذا التفصيل قد يعطل باقي الاتفاقات».

وأشارت المصادر إلى بعض الاقتراحات المتداولة، ومنها:

- أن يجري إهمال هذا البند على قاعدة أن لا تأثير له على أصل حسم موضوع الترسيم والحقوق والتنقيب، لكن ذلك يعني بقاء هذه المنطقة تحتَ الاحتلال الإسرائيلي.

- أن يلتزم الإسرائيلي بإخلاء هذه المنطقة باعتبارها تابعة للبنان، الذي لن يمانِع أن تكون تحتَ سلطة الأمم المتحدة إلى حين الاتفاق على ترسيم حدودي كامل.

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر دبلوماسية بارزة عن «أفكار مستغربة لا تزال تطرحها جهات لبنانية ومن غير المعروف إن كانت لها منطلقات رسمية»، قائلة إن «هوكشتاين سمِع من أحد المسؤولين اللبنانيين البارزين فكرة SWAP بحرية تقضي بإعطاء لبنان مساحات إضافية جنوب الخط 23 مقابل ما يحكى عن المنطقة الآمنة شمال الخط، لكن سرعان ما سُحبَت الفكرة من التداول بعد تلقي المسؤول نفسه فيتو حاسماً من بيروت». مع الإشارة الى أن المباحثات التي جرت في أميركا عكست خلافات لم تكُن قائمة على صعيد الموقف اللبناني، وقد باتت هناك شكوك جدية تجاه ما يقوم به رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي يسعى أو لا يُمانع بترك المفاوضات مفتوحة رغبة منه في جعل الملف ورقة للابتزاز في ملف تشكيل الحكومة، أو تركه إلى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس عون على قاعدة تجميد البحث إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية».

وفيما كانَ لافتاً أن الحملة داخل إسرائيل ضد ملف الترسيم استعرت بينَ حكومة يائير لابيد والمعارضة على وقع مؤشرات تفيد بأن الحكومة تسير نحو توقيع الاتفاق، تحت ضغط أميركي – أوروبي، برز أمس موقف لكتلة «الوفاء للمقاومة» رأت فيه أن «الكثير مما ينشر حول مفاوضات ترسيم الحدود البحرية لا يُعبّر عن الوقائع، وبحاجة إلى توضيح»، مشيرة إلى أن «مقاربة أي موقف تجاه عملية ترسيم الحدود البحرية تحتاج إلى دقة بالغة نظراً إلى حساسيتها، وخصوصاً أن الكثير مما يُنشر ويتداول لا يُعبّر بوضوح عن الوقائع ولا عن الاتجاهات، والمعطيات الحقيقية تستلزم مزيداً من الاستيضاحات».

الترسيم على «الغاز»

اما على صعيد ملف ترسيم الحدود البحرية فيبدو انه وضع على «الغاز» بعدما بدا ان الحكومة الجديدة قد «استوَت». وسيبلغ هذا الملف للمرة الاولى منذ عشر سنوات خواتيمه المتوقعة خلال مدة قريبة بعد ان تلقى لبنان رسميا عبر الوسيط الاميركي مرونة من الجانب الاسرائيلي اصبحت اقرب الى الموافقة على شروطه. وكشفت مصادر متابعة لهذا الملف لـ»الجمهورية» انّ المنطقة العازلة بمحاذاة الخط ٢٣ وعلى بعد اقل من كيلومتر من النقطة b1، لم تعد غير مستبعدة عن الموافقة في انتظار وضع اللمسات الاخيرة على هذا الطرح الذي قدمه هوكشتاين بعد ان يحصل لبنان على ضمانات من انّ هذه المنطقة لن تؤثر على الترسيم البري ولن تفرض لاحقاً واقعاً جديداً في تلك المنطقة بالتوازي مع اتصالات مكثفة مع الدول والشركات التي يمكن ان تؤمّن مخرجاً وحلاً لطلب اسرائيل الحصول على بدل مادي لقاء الجزء الممتدّ من حقل قانا في اتجاه الخط ٢٩ والذي يتجاوز الخط ٢٣، وهو الجزء الذي تعتبره اسرائيل داخل حدودها. وتردد ان شركة «توتال» هي التي ستتولى هذا الامر بالاتفاق مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وأكد المصدر انّ هامش انتكاسة هذا الاتفاق اصبح ضئيلا جدا، لكن طبعاً لا يمكن الاطمئنان دائما الى عدو ينتهج الغدر وسياسته تعتمد على المطامع وقضم الحقوق والثروات»…