أشارت صحيفة "الاخبار" الى ان "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي رضخ للإملاءات الغربية والأميركية بعدم تنفيذ تهديداته في ما يتعلق بإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. أولى القوافل التي تتجهّز لمغادرة عرسال قريباً قد تكون الأخيرة، في ظل ما يتردد عن وعود لميقاتي بمساعدات مالية مقابل طي هذا الملف الممنوعة معالجته"، لافتة الى ان "ميقاتي يعرف كيف ينفض يديه من تعهداته ويتراجع إلى الوراء، ولو أوصله ذلك إلى الضفة المقابلة. لكنه لا يفعل ذلك "لمين ما كان" أو من دون ثمنٍ. لرئيس حكومة تصريف الأعمال خطوط حمر كلّها خلف الحدود. "حنبلي" في تمسّكه بعقيدة "الغرب أوّلاً"، ويصعب عليه أن يرمش في حال استشعر عدم رضى غربي. هذا تحديداً ما فعله في ملف إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. أبدى الرجل في البداية حماسة غير مسبوقة، زايد فيها على جبران باسيل، وأوغل بعيداً في تهديد المجتمع الدولي بضرورة "التعاون مع لبنان وإلا سيكون له موقف ليس مستحباً لدول الغرب، بإخراج السوريين عبر تطبيق القوانين اللبنانية بحزم".

سريعاً، سحب من "الثلاجة" اللجنة الوزاريّة المعنية بهذا الملف، بموجب قرار لمجلس الوزراء في أيلول 2021، وأعاد تفعيلها، وطلب من وزير المهجّرين عصام شرف الدين تحريك المفاوضات مع الجانب السوري، إذ إن رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان كان مُكلّفاً من قبل القيادة السورية بمتابعة الملف.

حقن ميقاتي بـ"إبر الأمل" وأعطى وزير المهجرين "معنويات" لاستئناف الخطّة التي حضّرها الوزير السابق صالح الغريب. زار شرف الدين دمشق وعاد بتعهدات سورية بالعودة الآمنة، وتقديم تسهيلات أمنيّة من بينها إصدار عفو شامل، واستيعاب 10 إلى 15 ألف نازح شهرياً مع تأمين أماكن إيواء لهم عبر بناء منازل، وتأمين مدارس مجهّزة لاستيعاب المزيد في حال كانت أعداد العائدين أكبر إلى حين بناء منازل خاصة بهم.

بدا، للمرة الأولى أن الأمور وُضعت على السكّة الصحيحة تمهيداً لرفع مستوى التنسيق بين لبنان وسوريا وعدم حصره باللجنة الأمنية، ما أثار استياء أصدقاء رئيس الحكومة الغربيين. فبدأ السفراء وممثلو المنظمات الدوليّة في لبنان بتنظيم «رحلات حج» إلى الوزارات المعنيّة بالملف لإقناعها بأن «العودة غير آمنة»، ورفضت المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) مدّ يد العون للبنان، وأعلنت جهاراً أن المساعدات المالية والعينيّة ستُقطع عن السوريين في حال عادوا إلى بلادهم. و"تصادف" ذلك مع توجيه المنظمات الحقوقية الدولية، ومن بينها "العفو الدوليّة" و"هيومن رايتس واتش"، رسالة إلى الأمم المتحدة تزامناً مع زيارة المفوّض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي لسوريا الأسبوع الماضي، داعيةً الأمم المتحدة إلى «وقف البرامج التي يمكن أن تحفّز على العودة المبكرة وغير الآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم»، مؤكدة أن سوريا "غير آمنة للعودة".

خلاصة الاجتماعات واللقاءات والدعوات والمناشدات أكّدت، بما لا يقبل الشك، أن العودة ممنوعة، وأن سكين النازحين ستبقى مصلتة على رقبتَي الدولتين اللبنانية والسورية، بغضّ النظر عن الأعباء المالية التي يتحمّلها لبنان.

ولأن "العين لا تعلو على الحاجب"، كان على رئيس الحكومة أن يراجع حساباته ويتراجع، خصوصاً أمام الطلبات الأميركيّة، إذ تشير المعلومات إلى أن ضغوطاً مارستها السفيرة الأميركيّة في بيروت دوروثي شيا التي أبلغت الحكومة اللبنانيّة أن هذا الأمر من المحظورات. كما دخلت بريطانيا أيضاً على الخط لحضّ ميقاتي على فرملة حماسة شرف الدين، ما دفع رئيس الحكومة الحكومة إلى النزول بثقله لتطويق شرف الدين وإثارة نزاع "الصلاحيات" بين الأخير وبين وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، قبل أن يحاول "نزع الشرعية" عن مهمّة شرف الدين موحياً بأن زيارته لسوريا لم تكن بتكليف رسمي، رغم تذكير وزير المهجّرين رئيسه، في مجلس الوزراء، بالكتب التي أرسلها إلى الأمانة العامة للمجلس وبمحضر اجتماع اللجنة الوزارية المتخصّصة بمتابعة الملف. وسحب رئيس الحكومة الملف من شرف الدين وكلّف به المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي نجح في تسهيل عودة أكثر من 400 ألف نازح سوري إلى بلادهم قبل سنوات.

مقرّبون من ميقاتي يؤكدون أن تسليم الملف لإبراهيم دليل على "جدّية رئيس الحكومة"، إذ إنه "شخصية ديناميكية ولديه علاقات مع المسؤولين الأمنيين السوريين، ما يساعد على نجاح مهمته". وفي المقابل، يعزو آخرون سحب الملف من شرف الدين إلى أن الأخير "كان متحمّساً من دون مراعاة الإملاءات الغربية، فيما المدير العام للأمن العام أكثر براغماتية، وهو نفسه أكّد قبل شهرين بأن لا نية لدى المجتمع الدولي لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم".

على أية حال، يتابع شرف الدين عمله في المساعدة في الملف. وهو وضع 100 موظف من الوزارة في تصرف الأمن العام، وافتتحت وزارته مكتباً في عرسال وأرسلت إلى المديرية لوائح بأسماء العائلات النازحة الراغبة في العودة من أجل إرسالها إلى دمشق للتدقيق فيها أمنياً وتذليل أي عقبة يُمكن أن تواجهها، كتسهيل مرور المطلوبين للخدمة العسكرية عبر الحواجز الأمنيّة وتسوية الأوراق غير القانونية للسيارات العائدة. ومن المنتظر أن يأتي الرد السوري على اللائحة في غضون عشرة أيّام لتنطلق من عرسال أولى قوافل العائدين، والمؤلفة من نحو 460 عائلة على متن 235 سيارة. غير أن الخشية هي أن تكون هذه أولى القوافل وآخرها ومجرد ذر للرماد في العيون قبل أن يعاود ميقاتي عرقلة الملف مقابل وعود بمساعدات ماليّة للبنان لاستيعاب النازحين، في ظل ما يتردّد عن وعود في هذا المجال سمعها في زيارته الأخيرة لنيويورك.

من جهة اخرى، أشارت الصحيفة أنه لم تكُن كافية الإشارات التي أوحَت الأيام الماضية بإمكانية لملمة الأزمة الحكومية لرسم توقعات متفائلة حول تشكيلها في وقت قريب، ولا سيما في ضوء الموجة الجديدة من المعلومات التي عكست تراجعاً في منسوب التفاؤل وأشارت إلى "عدم التوافق على الأسماء التي سيُطاولها التغيير". ومن ضمن الإشارات التي استجدّت في الساعات الماضية تصريح الرئيس المُكلف نجيب ميقاتي بأنّ موضوع تشكيل الحكومة ما زال "عالقاً بين وزير من هنا وآخر من هناك، وهذا البحث يحصل بيني وبين فخامة الرئيس وبالتعاون معه"، آملاً الانتهاء من هذا الموضوع في الاجتماعات المقبلة الأسبوع المقبل.

وإلى جانب كلام المقرّبين من رئيس الحكومة، والذي اتّسم ببعض السلبية لجهة التأكيد أن "الطروحات لم تتغير، وأن البحث في أمر تغيير وزيرَي المهجرين والاقتصاد عصام شرف الدين وأمين سلام لا يزال نفسه من دون أن يحصل اتفاق". فقد أكدت مصادر رفيعة للأخبار أن ميقاتي عاد وأصر على تغيير وزير الاقتصاد وأنه هو من يختار البديل منه ويجب أن يكون من عكار لأنه يريد إرضاء هذه المنطقة بأي شكل. وهو أمر يعرف أنه غير مقبول من قبل الرئيس عون إلا في حالة تخلّي ميقاتي عن أحد الوزراء المسيحيين المحسوبين عليه.

وكان لافتاً تساؤل مصادر قصر بعبدا عن مصدر الأجواء التفاؤلية التي سمعناها في الأيام الماضية، "علماً أن المعطيات التي بينَ يدينا تشير إلى أننا لم نراوِح الخانة الصفر».

أما بما خص محاولة احتواء الارتدادات التي خلّفها الاشتباك السياسي بينَ ميقاتي والوزير عصام شرف الدين، فكان البارز أمس تلقي الجهات المعنية كافةً رسالة من رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط قال فيها إنه "معنيّ بالتوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة جديدة، وإنه غير معني ببقاء أو تغيير وزير المهجرين، وإنه لا يعترض على من يقترح الاسم البديل وهو يوافق مسبقاً على أي اقتراح يأتي من الوزير السابق طلال أرسلان، وأن المهم عدم تحميله أي مسؤولية في عرقلة تشكيل الحكومة".