في خطوة مفاجئة، دعا رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية يوم غد الخميس مع قرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية شهر تشرين الأول المقبل، وهو ما شكل إرباكا بالنسبة إلى معظم الكتل التي لم تحسم أمرها لجهة اسم مرشحها، إضافة إلى أن موعد الجلسة لم يمنحها وقتا طويلا لبلورة مواقفها، وهو ما رأى فيه البعض "جلسة الضرورة" سياسيا ودستوريا.

وفي السياق، اوضح عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب بلال عبد الله لـ "الشرق الأوسط": "مبدئيا سنكون حاضرين في الجلسة، إنما القرار النهائي سيتخذ بعد اجتماع سيُعقد، ويتخذ خلاله القرار المناسب بشأنه".

وفيما اكد عبدالله على أهمية هذه الدعوة لجهة فتح الباب أمام الاستحقاق الرئاسي ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم، لفت إلى أهمية حضور الكتل النيابية وتأمين النصاب المطلوب للجلسة، مع إقراره بأن الاتفاق على مرشح للرئاسة خلال 48 ساعة ليس أمرا سهلا.

وفيما تبدي مصادر حزب "القوات اللبنانية" استغرابها من الدعوة للجلسة قبل 48 ساعة، تقول لـ"الشرق الأوسط" إن "الموضوع خاضع للنقاش، وسيتم الإعلان عن مشاركتها في الجلسة من عدمها خلال الساعات المقبلة".

كذلك استغربت مصادر في كتلة "نواب التغيير" ما وصفته بـ"الخفة" في تعاطي رئيس البرلمان مع موعد انتخابات الرئيس قبل 48 ساعة، كاشفة أن عددا من نواب الكتلة موجودون خارج لبنان، منهم حليمة قعقور ونجاة صليبا، وهو ما قد يحول دون قدرتهم على حضور الجلسة. وفيما اكدت لـ"الشرق الأوسط" أن المشاورات مستمرة في محاولة للتوافق على مرشح للرئاسة تلفت إلى "أنه ليس هناك نيئة للمقاطعة أو تعطيل النصاب حتى الآن، إنما هذا الأمر يحدده مسار الأمور خلال الجلسة".

في المقابل، اكدت مصادر نيابية في "كتلة التنمية والتحرير" التي يرأسها بري لـ"الشرق الأوسط" أن دعوته هي حق طبيعي، وهو مارس حقه الدستوري، ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية، وحثهم على إنجاز التوافق وانتخاب الرئيس.

دعوة بري فاجأت الجميع

وفي السياق، قالت "اللواء"، "رمية من رام ماهر".. هكذا يمكن وصف دعوة الرئيس نبيه بري، بوصفه رئيساً للمجلس النيابي، وناخباً قوياً، مجلس النواب لعقد جلسة عند الحادية عشرة من قبل ظهر غد الخميس في 29 ايلول الجاري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

واعتبرت مصادر سياسية عبر "اللواء" دعوة نبيه بري لانتخاب رئيس جديد، بمثابة رد على الدعوات التي يرددها أكثر من طرف ومرجعية دينية بالداخل والخارج على حد سواء لتحديدها، وقالت: "ان هذه الدعوة فاجأت الجميع، بالسلطة وخارجها، لانهم لم يتوقعوا بأن يبادر بري للدعوة للانتخاب في هذا الظرف بالذات، بسبب تعذر الاتفاق على مرشح يحظى بالحد الأدنى من التوافق المطلوب بين كل القوى، او تبني الكتل بالمعارضة اوالموالاة لمرشح لكل منها، لخوض الانتخابات الرئاسية في هذه الجلسة، وتوقعت عدم انعقاد الجلسة الاولى، لغياب النصاب المطلوب باكثرية الثلثين من اعضاء المجلس النيابي، في انتظار انضاج الطبخة الرئاسية، وتبيان المرشح التوافقي المطلوب، او توفر الظروف لخوض الانتخابات باكثر من مرشح رئاسي".

وشددت المصادر على ان دعوة بري لجلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية غدا، وضعت الجميع امام مسؤولياتهم للقيام بما يتوجب عليهم لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، استبقت الوصول الى موعد الايام العشرة الاخيرة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لئلا يصبح المجلس بحالة انعقاد دائم حكما لانتخاب رئيس الجمهورية، اذا لم يدعُ رئيسه الى جلسة انتخاب تسبق حلول هذا الموعد.

ميشال موسى

وفي السياق، أكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى لـ "البناء" أن "رئيس المجلس قام بواجبه الدستوري بالدعوة الى جلسة لانتخاب الرئيس، لكن مسألة الحضور من عدمه يتعلق بالكتل النيابية ولا يمكن التكهن بموقفها".

وأوضح موسى أن "المجلس يمكنه القيام بدوره التشريعيّ وغير التشريعيّ طيلة المهلة الدستورية المحدّدة لانتخاب رئيس الجمهورية، رغم تحوّله الى هيئة ناخبة، كما يمكنه منح الحكومة الثقة عند تأليفها ولا نص دستوري يمنعه من ذلك".

بري يعتبر القرار طبيعي

وفي الملف الرئاسي، بدا رئيس المجلس وكأنه فاجأ كثيرين بدعوته إلى جلسة لانتخاب رئيس. وهو قال لزواره، بحسب "الاخبار"، إن قراره "طبيعي" ربطاً بالمهل الدستورية من جهة، ومنعاً لاتهامه والفريق الذي يمثله بعرقلة الاستحقاق. لكن ردود الفعل الصاخبة جاءت من جانب فريق القوات اللبنانية و"قوى التغيير" التي اعتبرت أن بري يحاول خلط الأوراق واتهمته بالتراجع عن تعهّده بعدم الدعوة قبل بروز ملامح توافق على الرئيس الجديد، وسط غموض حول من يمكن أن يتغيب أو يعطل النصاب.

لكن الأكيد، بحسب صحيفة "الاخبار" أن تحديد موعد الجلسة شكل عاملاً محفزاً لكثيرين على تسريع المناقشات للاتفاق على رئيس جديد، لا سيما الفريق الذي يخضع لوصاية الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، إذ يركز الطرفان على إقناع القوى المعارضة لتحالف حزب الله – أمل – التيار الوطني الحر بتسمية مرشح مشترك.

وقالت المصادر إن السعودية تمارس ضغوطاً كبيرة على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لإخراجه من دائرة التحالف أو التسويات مع حزب الله عبر الرئيس بري، وسط مؤشرات سلبية من كون الانقسام قد يؤدي إلى خلافات تمنع تأمين النصاب لفترة طويلة ما قد يتسبب بالشغور الرئاسي.

جلسة انتخاب بلا رئيس

الى ذلك، كشف مصدر سياسي رفيع لـ"الجمهورية" ان "هذه الدعوة تحرك الانتخابات وتدفع في اتجاه ضرورة إنجازها، كما انها تضع القوى السياسية امام الحقيقة من خلال ممارسة واجباتهم الدستورية تجاه هذا الاستحقاق".

ورأى المصدر "انّ النواب سيلتزمون قرارات مرجعياتهم وكتلهم وسيذهبون الى خيارات مفتوحة في مقدّمها سلاح المقاطعة الذي هو حق ديموقراطي لهم في غياب التوافق او التفاهمات". واضاف: "صحيح انّ عملية استكشاف الرئيس الجديد لم تصل حتى الى مرحلة التنقيب عنه، الا ان هذه الدعوة ستشغل المحركات وتجعل البحث يتجاوز التوصيف والانتظار".

ولدى سؤال المصدر اذا ادت هذه الدعوة الى "تَزميط" رئيس "بين المزح والجد"؟ أجاب: "كبّرو عقلكن من يملك نصاب الـ٨٦ في هذا المجلس؟؟؟ بالتأكيد لا يوجد في هذه التركيبة".

الى ذلك قالت اوساط مطلعة لـ"الجمهورية" ان بري "باغتَ الكتل النيابية بتحديد موعد أولى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بعد 48 ساعة فقط من تاريخ توجيهها". واعتبرت "ان الدعوة التي وجّهها بري على هذا النحو هي رد على بعض الإشارات من جانب جهات مسيحية بأنه تأخّر في تحديد موعد الجلسة".

واكدت هذه الاوساط "ان انتخاب الرئيس لن يتم غداً لأنّ التوافق لم يتم بعد على اسم محدد، اما التأجيل فيمكن ان يحصل عبر اكثر من سيناريو وهذا ما سيتضح غداً".

ونقلت الاوساط المطلعة عن مرجع سياسي تأكيده ان الحكومة "ماشية" على الارجح، وان ميقاتي ينتظر اتصالاً في هذا الصدد من الرئيس ميشال عون.

مشاورات واجتماعات

وعشية جلسة الانتخاب الرئاسي توسّعت رقعة المشاورات على اكثر من مستوى لاستكشاف المرامي التي قصدها بري في توقيتها قبل شكلها والمضمون وتحديد سبل التصرف إزائها. وقالت مصادر نيابية لـ"الجمهورية" إن "ما فرضَ هذه الأجواء هو عدم وجود أحد من المرشحين المعلنين او المستورين قد ترشّح سابقاً ل​رئاسة الجمهورية​ وان المشاورات لم تنته بعد الى اي قرار لدى الكتل النيابية المختلفة".

ولفتت المصادر الى ان الكتل النيابية باشرت استشاراتها الداخلية، فيما لم يرصد اي اتصال بين اي كتلة وأخرى بعد. وترددت معلومات عن اجتماع لـ"نواب التغيير" عُقد ليل أمس في منزل احدهم، وان مجموعة اخرى من النواب المستقلين التقت في منزل النائب نبيل بدر في انتظار اجتماعات لكتلة نواب حزب الكتائب والمكتب السياسي للحزب وكتلة حزب "القوات اللبنانية" التي باشرت مشاوراتها الداخلية منذ بعد ظهر أمس، ويتوقّع ان يكون لها بيان من هذه الخطوة.