بعدَ طي أولى صفحات الاختبار الرئاسي وخروج الجميع بتعادل سلبي، عادت الأنظار إلى ملف الحكومة، التي أكدت مصادر معنية بتأليفها أنها "انتقلت مجدداً إلى مربّع الإيجابية"، مشيرة إلى أن "النقاش الحالي يدور حول تبادل المواقع بين رئيسيْ الجمهورية ​ميشال عون​ والحكومة ​نجيب ميقاتي​".

وعلمت "الأخبار" أن "الساعات الماضية أسفرت تقدّماً من خلال التوافق على أن يقوم رئيس الجمهورية بتسمية الوزير الدرزي البديل عن وزير المهجرين عصام شرف الدين، وأن رئيس الحزب الديموقراطي الوزير السابق طلال إرسلان طرح اسماً جديداً بعدَ أن رفض رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل اسمين حملهما إليه الوزير السابق صالح الغريب، وهما: رمزي مشرفية ونسيب الجوهري".

أما في ما يتعلق بالوزير السني البديل عن وزير الاقتصاد أمين سلام فقد اقترح ميقاتي اسماً من آل العلي يوافق عليه الرئيس عون وذلك بالتشاور مع نواب عكار.

من جهة ثانية، لا يزال البحث جارياً حول احتمال رغبة الرئيس عون بتغيير مواقع وزارية مسيحية، منها وزير ماروني وآخر كاثوليكي مع ترجيح أن يكون الهدف توزير النائب السابق، إدي معلوف، عن المقعد الكاثوليكي، وفي حال تم الاتفاق على تغيير الوزيرة نجلا رياشي، فيرجح أن يكون هناك مرشح من طائفة الأرمن الكاثوليك الذي يفترض تسليمه حقيبة.

وفي الإطار، لفتت مصادر مطلعة إلى أن "المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يعمل على الانتهاء من بعض التفاصيل لا سيما في ما يتعلق بالأسماء، ليعود ويزور رئيس الجمهورية في غضون أيام".

الحكومة

وفي السياق الحكومي، أكدت مصادر مطلعة لـ "اللواء" أن الاتصالات بشأن ملف تأليف الحكومة لا تزال قائمة وأن البحث الأساسي يتركز على موضوع تبديل أكثر من وزيرين في الحكومة وسط معطيات تفيد أن أي تبديل يتم ينطلق من تسمية القوى الممثلة في الحكومة للوزير الجديد.

ولفتت إلى أنه من غير المتوقع أن يرتفع عدد الوزراء الذين سيصار إلى تبديلهم وأشارت إلى أن الاتصالات تستكمل ولاسيما تلك التي يقودها اللواء ابراهيم الذي زار قصر بعبدا مؤخرا.

وأكدت أنه يفترض ان يتبلور الخبر اليقين في اليومين المقبلين وسط مؤشرات إيجابية حتى الساعة.

وكشفت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة الجديدة، ان الاتصالات والمساعي استؤنفت لاعادة تحريك ملف تشكيل الحكومة العتيدة او تعويمها، بعد الانتكاسة التي ادت الى تجميدها بفعل تدخل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لتعطيل مفاعيل اللقاء الايجابي الاخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وانتهى الى حصر التباينات، والتفاهم على تذليل حل مشكلة استبدال وزيري المهجرين والاقتصاد ،واعادة تعويم الحكومة المستقيلة بعد عودة ميقاتي من زيارته للندن ونيويورك .

واشارت المصادر إلى ان رئيس الحكومة المكلف ابلغ الوسيط اللواء عباس ابراهيم ألذي التقاه أكثر من مرة انه منفتح لمواصلة الاتصالات والمشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة او تعويمها على الاسس التالية:

١- ان يتم حصر التشاور بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون بتشكيل الحكومة الجديدة حصرا، استنادا للدستور، وان يتم بت، ما يتم الاتفاق عليه فورا، من دون ترحيل أو تأجيل، لئلا يتعرض للعرقلة والتعطيل من قبل باسيل، كما جرى أكثر من مرة.

٢- الاستعداد الكامل لمعاودة البحث بتشكيل الحكومة الجديدة او تعويمها، على أساس صيغة حكومة تصريف الأعمال، ورفض كل طروحات عون وباسيل، توسيعها بضم ستة وزراء دولة او اجراء تغييرات واسعة في صفوفها، وان يتم التعويم ،استنادا إلى التوازنات السياسية القائمة، وعدم الاخلال فيها لصالح اي طرف كان على حساب أطراف اخرى، ورئيس الحكومة ليس في وارد التنازل عن أي وزير من حصته، اكان من المسيحيين كالوزيرة نجلا رياشي أو غيرها.

٣-رفض رئيس الحكومة المكلف الموافقة على لائحة الشروط والمطالب التي قدمها باسيل ،وتشمل ،اولا تحديد عمل ومهمات الحكومة في حال الفراغ الرئاسي، وثانيا، اجراء تبديلات للوزراء المسيحيين وبينهم وزراء الخارجية والسياحة ووزيرة التنمية الإدارية، بشخصيات يختارها رئيس الجمهورية حصرا، وثالثا اصدار مرسوم التجنيس ومرسوم ترقية العمداء بما يسمى بدورة ميشال عون، وخامسا، اجراء مناقلات وتغييرات وانهاء خدمات بالمراكز والوظائف المهمة بالدولة، وفي مقدمتها، تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود وسادساإطلاق سراح الموقوفين بتفجير مرفأ بيروت.

واوضحت المصادر ان رئيس الحكومة يرفض بالمطلق مناقشة هذه المطالب، ويعتبر ان هناك آلية دستورية ترعى عمليه تشكيل الحكومة وتحديد مهامها، وهو ملتزم بها استنادا للدستور والبيان الوزاري الذي يقره مجلس الوزراء مجتمعا يحدد الخطوط العريضة لعمل الحكومة طوال تسلمها المسؤولية، وإجراء التعيينات وغيرها، والاهم انه لا يتدخل بعمل القضاء فيما يتعلق بمطلب اخلاء سبيل الموقوفين بملف انفجار مرفأ بيروت.

واشارت المصادر الى ان ميقاتي ابلغ من يعنيهم الامر، انه لن يزور بعبدا، الا بعد انضاج طبخة التعويم بالكامل، على ان تتوج باصدار مراسيم التشكيل، لئلا تسجل الزيارة في عداد الزيارات السابقة بلا نتائج ملموسة.

وتوقعت المصادر ان تتكشف مطلع الاسبوع المقبل نتائج الوساطة والاتصالات الجارية للتشكيل، وكشفت عن بوادر حلحلة ،قد تترجم بزيارة لميقاتي منتصف الاسبوع المقبل، اذا سارت الامور كما يرام من دون بروز عقبات ومطالب ومطبات مفتعلة جديدة وغير منتظرة.

لن ينفع الندم

مصادر سياسية مسؤولة تؤكّد لـ"الجمهورية"، انّه "خلافًا لكل التوصيفات التي أُطلقت على جلسة الخميس، وأبرزتها كـ"جسّ النبض" لإظهار اتجاهات ونوايا مختلف القوى السياسية بانتظار الجولة الانتخابية الثانية، او كـ"بروفة" تمهّد لوضع الأرضية السياسية إستعدادًا للفراغ والفوضى، فإنّ نتيجتها كانت متوقعة سلفًا، وبالتالي لا يجب النظر إلى تلك الجلسة على انّها نهاية المطاف، بل ينبغي اعتبارها صدمة، لعلّها تهزّ مواقف الجميع وتشيع في الاجواء السياسية العقلانية المفقودة مع الأسف، وتحرّك المسؤولية الوطنية للتنازل من اجل البلد، والذهاب إلى التوافق على انتخاب رئيس صُنع في لبنان قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون آخر الشهر المقبل. فبذلك نقدّم خدمة جليلة للبلد، وامامنا فرصة متاحة لذلك، فإن لم نستغلها فلن ينفعنا الندم".

وردًا على سؤال قالت المصادر: "ثمة اسماء كثيرة متداولة، لا تتمّ جوجلتها بالسجال الاعلامي والمواقف من خلف المنابر، بل هذا يوجب بالدرجة الاولى الجلوس على الطاولة بنوايا صادقة، وبالتالي يمكن الاختيار من بين تلك الاسماء من هو الأصلح، والذي تتوفر فيه المواصفات التي تبرزه الأكثر اهلية لتبوء الرئاسة الاولى. علمًا انّه من حيث المبدأ، وإن كانت النوايا صافية وجدّية، فلينزل الجميع إلى المجلس النيابي ولا يخرجون منه الّا بعد انتخاب رئيس الجمهورية".

حثٌ دبلوماسي

وقد برز في هذا السياق، ما اكّدت عليه مصادر ديبلوماسية عربية بقولها لـ"الجمهورية": "انّ الأسرة العربية، وإن كانت لا تتدخّل في الشأن الرئاسي اللبناني، ولا في تمييز او تفضيل أي مرشح على أي مرشح آخر، تؤكّد على الأشقاء في لبنان إتمام استحقاقاتهم الداخلية على النحو الذي يخدم مصلحة بلدهم الذي يعاني من أزمة صعبة، سواء الاستحقاق الحكومي وإنتاج حكومة فاعلة تقوم بدورها الانقاذي وتسعى إلى تعافي هذا البلد، او الاستحقاق الرئاسي الذي اكّدنا على الأشقاء اكثر من مرة ضرورة ان يُنجز بصورة سلسة وتوافقية بين القوى السياسية على اختلافها".

وردًا على سؤال قالت المصادر: "من الأساس لم نكن نتوقع انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس الفائت، لسببين أساسيين، الاول سياسي، وهو أنّ كل الاطراف في لبنان تحدثت مسبقًا عن جلسة دون انتخاب رئيس. واما السبب الثاني، فهو شكلي، حيث انّه مع جلسات انتخابية من هذا النوع، وإن كان التوجّه فيها لانتخاب جدّي لرئيس الجمهورية، تُوجّه دعوات إلى البعثات الديبلوماسية في لبنان لحضورها، وهو ما لم يحصل قبل انعقاد جلسة الخميس الماضي. وفي ذلك كانت اشارة غير مباشرة إلى انعقاد جلسة غير منتجة".

وكشفت المصادر عن "جهود عربية، سواء من جامعة الدول العربية او من دول شقيقة للبنان، قد تُبذل في المدى المنظور عبر القنوات الدبلوماسية، لحث الاخوة في لبنان على التوافق في ما بينهم لترتيب شؤونهم الداخلية، والتعجيل بإنجاز الانتخابات الرئاسية في اقرب وقت ممكن. فنحن نؤيّد القائلين بأنّ الفراغ الرئاسي من شأنه ان يلحق الضرر الكبير بلبنان ومصالحه".