كشف مصدر سياسي لبناني بارز، لصحيفة "الشرق الأوسط"، أنّ "الجديد في العرض الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي سلّمته السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، لرؤساء: الجمهورية ميشال عون، والمجلس النيابي نبيه بري، وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يكمن في تأكيد الحق اللبناني في ملكية النقطة "B-1" الواقعة في خليج رأس الناقورة، واعتبارها ضمن حدوده البحرية، وعدم ربطها بترسيم الحدود البرية من جهة، وفي تحقيق التلازم بين بدء إسرائيل في استخراج النفط من حقل "كاريش"، ومباشرة لبنان التنقيب عنه في مياهه البحرية فور توقيعه على الاتفاق، بعد أن أبدت شركة "توتال" الفرنسية استعدادها للقيام بعملية التنقيب، وهذا ما أبلغه الوسيط الأميركي آموس هوكستاين في زيارته الأخيرة لبيروت، للجانب اللبناني".

وأكّد أنّ "العرض الأميركي يدخل الآن في مرحلة حاسمة، وأن التوقيع اللبناني عليه ينتظر انتهاء اللجنة الفنية والتقنية العسكرية من دراسته، للتأكد من أنه يحفظ حقوق لبنان بالكامل في مياهه البحرية، بعد أن تسلّمت قيادة الجيش نسخة من الاقتراح الأميركي"، مشيرًا إلى أن "مجرّد الربط بين استخراج إسرائيل للنفط من حقل "كاريش"، والتنقيب اللبناني عنه، سيؤدي حتماً إلى نزع فتيل التفجير؛ لو أن إسرائيل بادرت إلى استخراجه من دون التوصّل من طريق الوسيط الأميركي إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية".

ولفت المصدر السّياسي إلى أنّ "استعادة لبنان لملكيته الكاملة للنقطة "B-1"، يؤدي حكماً إلى فصل مسار الترسيم البحري عن الترسيم البري، خصوصاً أن إسرائيل كانت قد لجأت في عام 2016 إلى تفجيرها وتغطيتها بالباطون المسلّح، على الرغم من أن لبنان يملك الوثائق والمستندات التي تؤكد ملكيته لها، حسب الترسيم الحدودي الأول المنجز عام 1923، والآخر عام 1949". وسأل "ما إذا كان هناك من ترتيب أمني خاص لهذه النقطة، التي تعتبرها إسرائيل استراتيجية لإطلالتها المباشرة على القسم الأكبر من الساحل البحري لفلسطين المحتلة، المحاذي لحدودها البحرية مع لبنان".

ورأى أن "موافقة لبنان على الاقتراح الأميركي، لا تتطلب التوقيع عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد أن يجيز له البرلمان التوقيع"، موضحًا أنّ "الموقف نفسه ينسحب على مجلس الوزراء، لأن التوقيع عليه لا يخضع للمادة 52 من الدستور، التي تعطي له الحق في التفاوض لإبرام المعاهدات والاتفاقيات".

كما ركّز على أنّ "الاقتراح الأميركي يقع ضمن حل النزاع الحدودي بين البلدين، للوصول إلى اتفاق لترسيمها، وهو يعود لوفد لبنان العسكري والتقني إلى المفاوضات غير المباشرة بين البلدين في الناقورة، بوساطة أميركية، وتحت إشراف الأمم المتحدة"، مؤكّدًا أنّ "مجلس الوزراء هو من يعطي الضوء الأخضر للوفد اللبناني إلى الناقورة للتوقيع عليه، شرط أن توافق اللجنة الفنية العسكرية على مضامين الاقتراح الأميركي وإحداثياته".

وشدّد المصدر على أنّ "السؤال يبقى حول مدى تأثير التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية، على المسار العام لإنجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس جمهورية جديد، وهل يسرّع في إنجازه في موعده؟ أم أنه يؤخر انتخابه إلى ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية لعون، وإنما ليس إلى أمد طويل يمكن أن يدفع في اتجاه إعادة خلط الأوراق الرئاسية ترشّحاً، بحثاً عن رئيس توافقي يفرضه ميزان القوى بداخل البرلمان الذي لا يتيح لفريق دون الآخر حسم المعركة الرئاسية؟".

في سياق متّصل، كشف مصدر وزاري لـ"الشّرق الأوسط"، أن "لا مفاعيل سياسية لزيارة رئيس "التيار الوطني الحر" النّائب جبران باسيل على رأس وفد من "التيار" لدار الفتوى، واجتماعه بمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، لأن ما قاله بعد اللقاء يتناقض كلياً مع أطروحاته التي يطالعنا بها يومياً"، مبيّنًا أنّ "زيارته لن تمنحه براءة ذمّة لتبييض صفحته، على خلفية مواقفه من رؤساء الحكومات".

واعتبر أنّ "باسيل يلعب آخر ما لديه من أوراق سياسية، وأنه يأخذ البلد إلى الهاوية، وهذا ما يؤخّر تعويم الحكومة، بعد أن أوكل إليه عون مهمة الالتفاف على الجهود الرامية لتعويمها"، مشيرًا إلى أنه "بدأ يدرك أن الوزراء الذين يدينون له بالولاء المطلوب من وجهة نظره، أصبحوا في مكان آخر، في ضوء توزيعه للتّهم عليهم بأنهم يسايرون ميقاتي في مواقفه بسبب أو من دون سبب".

وتوقّف المصدر نفسه أمام اللقاء الذي عقده باسيل في مقره الصيفي في اللقلوق، مع وزراء: الخارجية عبد الله بو حبيب، الدّفاع موريس سليم، السياحة وليد نصار، الطاقة وليد فياض، العدل هنري خوري، والشؤون الاجتماعية هكتور حجّار، لافتًا إلى أنّ "باسيل تعاطى معهم وكأنه يخضعهم إلى "استجواب" بتهمة تناغمهم مع ميقاتي، بدلاً من انخراطهم دون شروط في الحملات التي يقودها ضده "التيار الوطني".

ورأى أن "باسيل يتصرّف وكأن لبنان سيدخل في شغور رئاسي يملي عليه أن يقود المعارضة من داخل الحكومة ضد ميقاتي، شرط أن يستبدل آخرين بالعدد الأكبر من الوزراء المحسوبين عليه؛ لأن بقاء الوضع على حاله سيؤدي إلى محاصرته"، مفيدًا بأنّ "الأجواء التي سادت استدعاءه للوزراء إلى اللقلوق لم تكن مريحة له، لأن معظمهم اضطروا للرد عليه".

لبنان يخوض الاختبار الأصعب في رحلة توحيد أسعار الصرف

ذكرت "الشّرق الأوسط" أنّ "مصرف لبنان المركزي يعنزم الشروع هذا الأسبوع، بإصدار التعاميم التطبيقية ذات الصلة بالسعر الرسمي الجديد لليرة اللبنانية الذي سيبدأ تطبيقه تدريجياً، بدءاً من أول تشرين الثاني المقبل، فيما يرتقب أن تتكفل حكومة تصريف الأعمال القائمة أو المتجددة ربطاً بنجاح المساعي السياسية، ببلورة المسار القانوني والإجرائي لقرار وزارة المال برفع السعر بمعدل 10 أضعاف ليبلغ 15 ألف ليرة للدولار الواحد".

وأكّدت مصادر مالية ونقدية معنية أنّ "المرحلة الانتقالية لتنفيذ القرار ستسير في خطوط متوازية، ضمن استهداف رئيسي يصل إلى تعويم تام لسعر صرف العملة الوطنية بنهاية المطاف، مما يعد إصلاحاً نقدياً جوهرياً لإعادة انتظام الهيكل النقدي، وبحيث يتم عبره توحيد تشكيلة أسعار الصرف المتنوعة، التي نتجت تباعاً عن الانهيارات النقدية المتوالية على مدى 3 سنوات من جهة، والاستجابة لمطلب صندوق النقد الدولي من جهة موازية".

ووجدت أنّ "الرّحلة لن تكون يسيرة، من دون نضوج مقاربات موضوعية ومحددة المهل الزمنية لكيفية احتواء الفجوة المالية، التي تقدرها خطة الحكومة بنحو 73 مليار دولار، وكيفية توزيع الخسائر بين رباعي الدولة ومصرف لبنان والجهاز المصرفي والمودعين. وذلك في ظل الدين العام الذي يناهز "رقمياً" 105 مليارات دولار (ثلثاه محرر بالليرة) والعجوزات الكبيرة في الموازنة العامة، وتقلص القدرات الاحتياطية من العملات الصعبة لدى البنك المركزي إلى مستويات تقارب 9 مليارات دولار، في مقابل التزامات لصالح المصارف تزيد على 70 مليار دولار؛ فيما تبلغ قيود المودعين بالعملات الصعبة لدى البنوك نحو 97.5 مليار دولار".

من جهته، أشار مسؤول مصرفي لـ"الشرق الأوسط"، إلى أنّ "التعاميم المرتقبة للبنك المركزي ستندرج ضمن خطين متوازيين: الأول يتضمن التطبيقات الفورية للسعر الرسمي الجديد، بعد اعتماده كسعر مرجعي لمعظم الضرائب والرسوم العامة. فمن غير الممكن الاستمرار بإجازة صرف السحوبات من الودائع بسعري 8 آلاف و12 ألف ليرة المعتمدين حالياً، مما يوجب التساوي مع السعر الجديد. أما الخط الثاني، فيتوقع أن يحدد الاستثناءات التي ستظل قائمة وفق السعر السابق البالغ 1515 ليرة لكل دولار".

وشرح أن "السعر الرسمي الجديد هو حسابي بحت، وتتركز مفاعيله الأساسية والفورية في إعادة هيكلة أرقام الموازنة العامة، ولا سيما في التحسن المنتظر لإيرادات الخزينة. وبالتالي فإن تأثيره سيكون محدوداً في المرحلة الأولى على التداولات النقدية، سواء منها التي تجري عبر الأسواق الموازية والتي تعكس السعر الواقعي، أو من خلال منصة صيرفة التي تنفذ عملياتها قرب مستوى 30 ألف ليرة للدولار".