مع اعلان فوز المرشحة اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني في الانتخابات العامة، انطلق جرس انذار غير مسبوق في القارة العجوز، وبدأ الجميع التركيز على صعود ​اليمين المتطرف​ والاعراب عن القلق من المسار الذي تتجه اليه ليس ايطاليا فقط، انما ​اوروبا​ كلها بشكل عام. في الواقع، شكّلت ميلوني الخوف الاكبر كونها مرتبطة بـ"الفاشيّة" وهي المعجبة بالديكتاتور الراحل بنيتو موسوليني واول رئيسة حكومة في تاريخ ايطاليا واول رئيسة وزراء يمينية متطرّفة في القارة العجوز، ولكن الامور ابعد بكثير من ذلك، فانتشار الفكر اليميني المتطرف وبعض افكار "الفاشية" و"النازية"، ليس ابن ساعته وغير محصور فقط ببقعة جغرافية صغيرة في اوروبا، بل تراه على كامل المساحة الاوروبية ووصلت شظاياه الى قارات اخرى ومنها على سبيل المثال ​الولايات المتحدة الاميركية​.

ولم يتسنّ لاحد ان ينسى ما حصل في الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة التي فاز فيها الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون بفارق غير كبير عن المرشحة ماريان لوبان التي عادت وفرضت نفسها في الانتخابات التشريعية، فكانت الحجر الاساسي لاعلان عودة اليمين المتطرف الى الساحة الفرنسيّة، كما ان الوضع في اسبانيا ليس مغايراً تماماً عما هو عليه في فرنسا، وكذلك الحال في السويد التي بات حزب أسسه النازيون الجدد مع تحالف يميني متطرف يتمتع بثاني اكبر تمثيل في البرلمان، ناهيك عن تواجد المتطرّفين في المجر وبولونيا.

مما لا شك فيه انّ الحرب بين روسيا واوكرانيا سرّعت كل هذه التغييرات التي تشهدها اوروبا، ولكن المعضلة بدأت تكبر أكثر من قبل، ويتوقع ان تدخل المانيا سريعاً على هذا الخط ايضاً. فمشكلة ​الهجرة​ و​المهاجرين​ الذين تمركزوا في الدول الاوروبية بأعداد كبيرة، القت بثقلها على المحافظين في الدول الاوروبيّة، فميلوني على سبيل المثال بنت برنامجها الانتخابي على العودة الى قيم العائلة والدين والتعلق بالوطن والهوية الايطالية، وهو ما يحنّ اليه الجميع في هذه القارة بعد تنامي اعداد المهاجرين. ولم تساعد "الفورة الداعشية" التي شهدها العالم منذ سنوات قليلة على التخفيف من هذا القلق، بل زادتها الى رتبة الخوف على الهوية والمصير. واذا ما اضفنا الى هذا الخوف، الكوارث الاقتصاديّة والماليّة التي تعمّ الكرة الارضية، وفوضى ​الطاقة​ و​الغذاء​ والتحكم بمواردهما التي عاني منها العالم بفعل الحرب الروسية-الاوكرانية، فعندها يمكن فهم "دق ناقوس الخطر" الذي عرف اليمين المتطرف استغلاله بشكل مدروس وناجح في مختلف الدول على المساحة الجغرافية الاوروبية.

ليس من المتوقع ان تنفجر الامور بين ليلة واخرى، وتطرأ التحولات في غضون ايام او اسابيع، ولكن الاكيد هو انّ قطار هذه الحركة قد انطلق وهو يسير بسرعة كبيرة، وبات القلق على مصير من يطمح من باقي الدول في ​الشرق الاوسط​ او افريقيا او آسيا في الذهاب الى قارتي اوروبا او اميركا لتحقيق احلامه وبناء مستقبل جديد، بعد ان قضى الغرب بدهائه، والمجتمعات المعنية في الدول الاقل وعياً بسخافة وسذاجة شعوبها، على فرص المواطنين في القارات الاخرى للحصول على مستقبل لائق لهم ولعائلاتهم. ويجمع الكثيرون على انه اذا لم يتم تدارك هذه "الفورة"، فهي وان لم تتمكن من السيطرة الكلية على الانظمة السياسية في الدول الاوروبيّة، فستبقى تغلي في اذهان ونفوس الكثيرين من مواطني هذه الدول الذين لن يتقبلوا منافسة آخرين لهم على ارضهم، وسلخهم عن تقاليدهم وعاداتهم وتاريخهم، على غرار ما تفعل بعض الفئات التي باتت تهدّد بالفعل هويّة مناطق بأكملها في الكثير من البلدان الكبيرة بتاريخها وتقاليدها وموقعها.