لا شكّ أن الأزمة التي يعيشها اللبنانيون تكبر يوماً بعد آخر نتيجة الأوضاع المتردية التي وصلت اليها البلاد، بسبب إرتفاع سعر صرف ​الدولار​ مقابل الليرة وارتفاع ​الأسعار​ من جهة وعدم توفّر السيولة اللازمة حتى لتأمين الحاجات اليومية من جهة أخرى، بالإضافة لاحتجاز المصارف ل​أموال المودعين​.

عمل الناس منذ القدم على تطبيق المثل الشعبي "خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود" فادخروا الأموال ووضعوها في البنوك لاستعمالها عند الحاجة، فأتى اليوم الأسود الذي ارتفع فيه سعر صرف الدولار مقابل الليرة وارتفعت الأسعار، وعندما أرادوا اللجوء الى الوديعة لتلبية الحاجة وجدوا أن ذلك مستحيلاً. فمن الطبيعي جداً أن "تقوم قيامة الناس ولا تقعد" ومن الطبيعي أن يخاف موظفو المصارف على أنفسهم فلا هم مسؤولون ولا الناس مسؤولة عما آلت اليه الأمور.

أمام هذا الأمر خرجت ​جمعية المصارف​ ببيان شهير لمصارحة المودعين على حدّ قولها بأين الودائع؟ ومن كان المسؤول؟ وهل كان بوسع المصارف التصدّي للسياسات الماليّة والنقديّة؟. اللافت في البيان أنّ جمعية المصارف تحدّثت عن قانون "​الكابيتال كونترول​"، لتشير الى أنه ومنذ اليوم الأول أصرّت المصارف على اصداره،فقد كان لدى ​مصرف لبنان​ احتياطي يناهز 33 مليار دولار وكانت التسليفات بالعملات الأجنبيّة تقارب 40 مليار دولار، أما اليوم انخفض الاحتياطي الى 10 مليار دولار وانخفضت ​القروض​ الى 12 مليار دولار.

المحامي الدكتور المتخصص في الرقابة القضائيّة باسكال ضاهر يعود الى بيان الجمعية الصادر بتاريخ 11/11/2019، أي في عزّ الأزمة وإقفال المصارف الذي تضمن حرفياً كيف "تشيد المصارف بتطمينات سعادة الحاكم فيما يخصّ عدم النيّة باعتماد آلية الكابيتال كونترول". هذا النص يعني أنها كانت ترفضه، هنا يلفت ضاهر لـ"النشرة" الى أن "المصارف ارتكبت جرم التداول ومنعت بتصرف ذاتي التحاويل، وتريد اليوم أن تغطي على أفعالها وتتنصل من المسؤولية بقولها: "اصرت المصارف على وجوب اصدار قانون الكابيتال كونترول"، مضيفا: "المادة 100 من مجلّة الاحكام العدليّة تشدّد على أنّ "من سعى في نقض ما تمّ من جهته فسعيه مردود عليه" وهذا الامر يرتّب مسؤوليّة قانونيّة وبالتالي يجب اجراء تحقيق ومحاسبة المرتكبين وردّ الاموال المختلسة".

إذاً، تلعب اليوم جمعية المصارف دور "البريء" وتريد أن تغسل يديها من كلّ ما حصل منذ العام 2019 أقلّه، في وقت تُبقي ودائع الناس محتجزة في مصارفها عُنوَةً مع ارهاق الناس بدفع أموال طائلة على ودائعهم المحتجزة في وقت ويوضع الموظف البريء في مواجهة الناس. منذ أسبوعين أقفلت المصارف نتيجة تكاثر الاقتحامات عليها، واليوم عاد المشهد ليتجدّد في عدد من الفروع، فهل سيتم اللجوء الى الاقفال من جديد؟!.

"لا داعي للاقفال رُغم ما حصل في اليومين الاخيرين". هذا ما يؤكده رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف ​جورج الحاج​، الذي يعتبر عبر "النشرة" أن "كل اقفال للمصارف هو مؤذٍ، وفي حال حصل أيّ خرق للتدابير الأمنية في أي فرع لأيّ مصرف يُمكن عندها أن نطلب من موظّفي المصرف المذكور التوقّف عن العمل"، مشيرا الى أنه "في المرّات السابقة كان هناك 4 حالات كان فيها حجز حريّات وليس كما حصل خلال هذا الاسبوع، بحيث لم يحصل تعدٍّ على الموظفين أو حجز حريات".

المفاجأة حصلت ليلًا، مع إعلان جمعية المصارف الإقفال ليوم الجمعة... بين بيان جمعية المصارف وأفعال نقابة الموظفين تناقض واضح، فالأولى تريد غسل يديها ونقابة الموظفين لا ترى حاجة للإقفال، الّذي هو مؤذٍ طبعا، ولكن السؤال لماذا لجأت الى الإقفال في أسبوع الشهر الماضي واليوم تأتي لتقول لا داعي للاقفال... هذا الامر يضع علامات استفهام حول ما فعلته المصارف في أسبوع الإقفال! فماذا الّذي حصل خلاله، وما الذي يحصل اليوم؟ ربما الاجدى البحث في هذه النقاط.