"لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَموتَ مَعَهُ"![1] هذا ما قاله الرسولُ توما للتَّلامِيذِ رُفقائهِ عندما قَرّر الربُّ أن يذهب إلى منزل لعازر في بيتِ عنيا، بعد أن مرض الأخير ومات. أتى كلامه مُختلِفًا عن كلام التلاميذ الآخرين الذين قالوا ليسوع: "يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضًا إِلَى هُنَاك"![2].

هذا مَوقفٌ شُجاعٌ جِدًّا مِن قِبَل الرسول توما، الذي تُقيم الكنيسةُ تذكارَه في السادس مِن شهر تشرين الأوّل مِن كل عام، كما أنَّ الأحد الأوَّل بعد الفصح مُخَصّصٌ له.

هناك مَحطّة ثانية نتوقّف عِندها مع توما الرسول، عِندما قال الربُّ لتلاميذه: "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وحَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا، وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ. فقَالَ لَهُ تُومَا: "يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟» فقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ"[3].

هذا أيضًا مَوقفٌ جَريءٌ مِن قِبَل توما، إذ لم يكن التلاميذ قد أدركوا بَعد تدبير الله الخلاصيّ للبشر، الذي يُتَمِّمُه الربُّ يسوع، فكان قَولُ توما لسانَ حالِهم.

المحطّة الثالثة مع توما، عندما ظَهر الربُّ للتلاميذ بعد قيامته، حيث لم يكن توما معهم. وعندما أخبروه بذلك، قال لهم: "إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ"[4].

بعد ثمانية أيّام، ظَهر يسوع لتلاميذه وكان توما معهم، فقال له الرّب: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». عندها هتف تُومَا قائلًا: "رَبِّي وَإِلهِي"[5]!.

أيضًا وأيًضًا موقفٌ جَريءٌ جِدًّا له. فلا يَظُنَّنّنَ أحدٌ أَنّه الوحيد الذي شَكّ، بل وجميعُ التلاميذ قَبلَه. كان هذا واضحًا عندما أخبرت حاملاتُ الطيبِ التلاميذَ بأنَّ الربَّ قد قام وظهر لَهُنَّ، "فَتَرَاءَى كَلاَمُهُنَّ لَهُمْ كَالْهَذَيَانِ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُنَّ"[6].

ثلاث محطّات إذًا مع توما نتعلّم منها الكثير:

في الأولى: أن نثقَ بكلام الربّ، ونذهبَ معه إلى حيث يدعونا، دون أي تردُّد أو خوف.

في الثانية: أن نكشفَ للربّ مَكنوناتِ قلوبِنا.

في الثالثة: أن نصرخ صرخةً واحدةً في كلّ الظروف التي نمرّ بها: "رَبِّي وَإِلهِي"!.

صرخة توما هذه هي صرخة كلّ مؤمنٍ في كلّ الأوقات.

أمّا في الفن الكنسيّ، فقد وُجِدَ صُلبانًا كثيرة في الهند وسريلانكا وباكستان، عُرفت باسم الرسول توما[7]، ابتداءً مِن القرن السابع-الثامن الميلاديّ، إذ يَذكُر التسليم الكنسيّ أنّ توما بَشّر في تلك البلاد ومحيطها حوالي العام ٥٢م. فأسَّس فيها الكنائس. وابتدأ كرازته لجالية يهوديّة كبيرة، وشرح لهم أن المسيح الذي ينتظرونه قد أتى، وهو الرّب يسوع.

كما أن تاجرًا[8] مِن القرن السادس الميلادي، يُخبِر عن وجود جماعات مسيحيّة كثيرة في بلاد الهند.

الخدمة الليتورجيّة الخاصّة بالقدّيس توما (صلاة الغروب والسحر) تذكر بشارته لتلك الشعوب. أهميّة الصلوات اليوميّة، أنّها تُخبِر عن القدّيس أو عن العيد المُعيَّد له. مِن أجل ذلك اقتنى المسيحيّون الكتب الليتورجيّة لتلاوة الصلوات المسائيّة والصباحيّة أمام الأيقونات الموضوعة في الزاوية المخصّصة لها في منازلهم. هذه بركة كبيرة تُنشِئ أجيالًا صالحة ومؤمنة، وتجعلنا في إلفةٍ مع القدّيسين. الإنسان المسيحيّ هو إنسانٌ مُصلّي.

بالعودة إلى القدّيس توما الرسول، فقد عمّد كثيرين في منطقة Edessa في بلاد ما بين النهرين، وبلاد فارس ومحيطها. كما يُحكى عن تأسيسه لجماعة مسيحيّة في الصين حوالي العام ٦٨م. وهناك مَن يقول أنّه بشّر جماعات جرمانيّة أيضًا.

نعرف جيّدًا أن طريق البشارة ليست سهلة. فقد نال الرسول توما إكليل الشهادة على يد أمير في الهند حوالي العام ٧٠م، الذي أرسل جنوده ليقتلوه انتقامًا من الرسول لأنّه عَمَّدَ زوجته، فطعنوه بحربةٍ في ظهره بينما كان يُصلّي في مغارةٍ جنوب "Mylapore"، التي تدعى اليوم: "جبل القدّيس توما"[9].

استطاع توما بنعمةِ الروح القدس أن يجلب إلى المسيحيّة أميرات وأثرياء. وقد مَنَّ الرّب عليه بصُنعِ عجائب كثيرة وشفاءات.

كما يوجد رواية[10] عنه تُفيد أنّ مَلِكًا هنديًّا أعطاه مالًا ليبني له قصرًا، فوزّع الأموال على المحتاجين. فغضب الملكُ عليه وسجنه، ثمَّ حكم عليه بالإعدام حَرقًا. ففي الليلة ذاتها، مات شقيقُ الملك، ولكنّ اللهَ أعاد إليه روحَه. هنا كانت المفاجأة الكبرى للملك، وذلك عندما أخبره أخاه أنّه رأى في الفردوس قصرًا يَفوقُ كُلَّ وَصْفٍ، وَأَنَّ مَلاكًا أخبره بأنَّ القصرَ بَناهُ الرسول توما لشقيقه الملك. عندها طلب الملك الغفران مِن توما، وأعطاه مالًا مِن جديد لتوسيع قصره في السماء بعد أن بشّره توما وعَمَّدَه.

قبل أن ننهي المقالة لا بد لنا أن نذكر أن والدة الإله أهْدَتْهُ زَنّارَها عندما نقلها الرّب إليه بعد رقادها بثلاثة أيّام، فيما كان توما غائبًا يوم جنازتها. فهذا ما تُظهِره بعض أيقونات رقاد والدة الإله بعد الألف الأوَّل.

خلاصة، القدّيس توما الرسول مِقْدامٌ وشجاعٌ. سلك درب البشارة بكلِّ شغف، متخطِّيًا صِعابًا كثيرة بثباته وإيمانه وتعلّقه بالمخلّص. فأعطنا يا ربُّ أن نكونَ حَقًا سُفراء لك في حياتِنا، فنَبني لنا مكانًا في ملكوتك، بعيشنا الكلمة الإلهيّة.

إلى الرّب نطلب.

[1]. يوحنا ١٦:١١

[2]. يوحنا ٨:١١

[3]. يوحنا ١:١٤-٦

[4]. يوحنا ٢٤:٢٠-٢٥

[5]. يوحنا ٢٦:٢٠-٢٨

[6]. لوقا ١١:٢٤

[7]. Mar Thoma Sliva (Saint Thomas Cross), Persian Cross and Nasrani Sthambam, and Leaved Crosses.

[8]. يوناني وأصله مِن مصر يُدعى على الأرجح Cosmas Indicopleustes أي قوزما، الذي أبحر إلى الهند. وقد ترك لنا خرائط وتصاوير مِن ضمن مدوّنات ومخطوطات عُرفت بـ Christian Topography إذ سافر إلى بلدان كثيرة متنقلّا بين مصر وأثيوبيا وأريتيريا مِن جهة، وبلاد ما بين النهرين والهند وسريلانكا مِن جهة أخرى وغيرها. وذلك قبل أن يصبح ناسكًا في الاسكندريّة.

[9]. يوجد بازيليك على اسمه في Mylapore حيث أن قبره موجود في سرداب تحت الكنيسة، بينما هامته محفوظة في دير القديس يوحنا اللاهوتيّ في جزيرة باتموس - اليونان.

يُذكر أنَّه في القرن الحادي عشر تَمَّ نقل رُفات الرسول توما إلى Mylapore على يد مسيحيين أرمن، لتُشاد في القرن السادس عشر كنيسة حيث تحوي على رفاته، وأعيد بنائها في العام ١٨٩٣م.

[10]. Dans la Légende dorée de Jacques de Voragine (13e siècle).