للمرة الثانية وبشكل غير مفاجئ، تنتهي جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الى نتيجة: لا انتخاب. وكما ان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فإنّ ما آلت اليه الجلسة كان معروفاً منذ تحديد موعدها، فزكزكات رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ لم تهدأ، وهي لن تتراجع حتى اليوم الاخير من ولاية رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​. يريد الرجل ان يبقى على موقفه من عون في اليوم الاخير من العهد كما كان عليه في اليوم الاول خلال جلسة الانتخاب الشهيرة وما تخللها من احداث.

جلسة الامس ابقت القديم على قدمه ولكنها وضعت الجديد في خانة الضائع، واظهرته انه لن يقدّم في المعادلة ولن يؤخّر، وان التحرك الذي قام به لم يستند الى اسس وركائز قويّة تمكّنه من احداث خروقات معيّنة، انما العكس كان صحيحاً حيث تبيّن ان الخرق لحق بالنواب الجدد الذين كانوا يسوّقون انفسهم على انهم "الخميرة" التي ستحدث التغيير المنشود.

يسعى بري الى عدم حصول عون على اكثر من "جائزة الترضية" المتمثلة بالترسيم الحدودي البحري الذي يتوقع الاعلان عنه بشكل رسمي قبل انتهاء ولاية عون لـ"يسرقه" رئيس الجمهورية ويضعه على السيرة الذاتية لسنواته الست التي قضاها في بعبدا. اما بازار الرئاسة فهو يجري على ملعب بري الذي يديره كما يريد في انتظار الفرج الذي سيأتي من الخارج كما العادة. وما الاسماء المطروحة، وغير المطروحة، سوى تحضير لما سيأتي لانه عندما يتم تسليم الاسم الى المعنيين في لبنان، عندها تسقط الحواجز مهما كان نوعها، ويقف معارضو الشخصية المنتقاة في الصف الاول للمهنئين، ويشيدون بمزايا وصفات الرئيس المنتخب التي على ما يبدو، كانوا يجهلونها سابقاً.

لن يقع احد في فخ البازار الرئاسي الذي يتم الترويج له، والعين الموضوعة على المرشحين الابرز تظهر جدية مسعاهم لكسب الثقة من قبل الجميع. ومع عدم اهلية النائب ​ميشال معوض​ للحصول على اكثرية الاصوات، يبقى لافتاً التحرك "الصامت" للمرشحين الآخرين ​سليمان فرنجية​ وقائد الجيش ​العماد جوزاف عون​، اذ يقومان بنشاطهما من دون ضجة لانهما يعلمان تماماً انهما تحت المراقبة واي خطوة ناقصة من شأنها ان تطيح بأحدهما، فيما دخل اسم الوزير السابق ​زياد بارود​ الى البازار على الرغم من عدم تأمينه الاصوات الكافية لجذب الرئاسة اليه.

بات من شبه المؤكد ان رئيس الجمهورية المقبل، اياً يكن اسمه، سيتسلم منصبه من فخامة الفراغ، وخلال تلك المرحلة، ستسير الامور كالمعتاد، ولن تكون الفترة الزمنية الفاصلة بين مغادرة عون ووصول خلفه الى بعبدا، مريرة بسبب فراغ المنصب، بل ستشكل مادة دسمة لالباسها كل المصائب والويلات التي تسرح وتمرح في البلد، وسيتم التركيز على ان انتخاب رئيس جديد هو الخلاص والنهاية لكل المعاناة والالم، فيما يعلم الجميع ان هذا الامر غير صحيح، ولا هدف منه الا اضاعة الوقت وابقاء الناس مشغولة بهذا الاستحقاق فيما يتم تمرير الكثير من الامور الاقتصادية والمالية والحياتية و... تحت صيغة الضروري والملحّ ولا بديل عنه لاستمرار الحياة. واذا كان الكلام عن "صفقة" ما يتردد في الاروقة في ما خص مسألة ​ترسيم الحدود البحرية​، فإنه من المؤكد ان "صفقة" ما تتحضر ومدّتها ست سنوات تبدأ بايصال رئيس جديد ومن غير المعلوم كيف ستنتهي مع ركوب اللبنانيين باخرة "سندباد" لخوض مغامرة جديدة على امتداد فترة الرئاسة المقبلة، ستكون حافلة حتماً بصراعات ومعارك مع وحوش محلية وخارجية من دون معرفتها او معرفة نتيجة هذه المواجهات.

وحتى موعد الجلسة المقبلة، لا بد من متابعة تطورات برنامج آخر: تشكيل الحكومة.