في اليومين الماضيين، كانت لافتة الضجة التي أحدثتها دعوة، ممثلي عدد من القوى السياسية، من قبل السفارة السويسرية إلى العشاء، للتشاور في مجموعة من الملفات، الأمر الذي استدعى تدخلاً عاجلاً من جانب السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، بهدف إجهاض هذه المحاولة، التي وجدت فيها الرياض ما يمكن أن يقود إلى المسّ بإتفاق الطائف، في حين هي كانت قد شدّدت، في أكثر من مناسبة مؤخراً، على رفضها أي بحث به.

في هذا الإطار، عمليّة "إجهاض" العشاء السويسري كانت على أكثر من جبهة، بدءا من موقف حازم من السفير السعودي، مروراً بإعلان حزب "القوات اللبنانية" إعتذاره عن المشاركة، وصولاً إلى الضغوط التي مورست، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على النائب إبراهيم منيمنة، الذي صُنّف حضوره على أساس أنه يؤمن الغطاء السني لهذه الدعوة.

على المستوى المحلي، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ أي دعوة إلى الحوار، في هذه المرحلة بالذات، تعتبر أمراً إيجابياً، خصوصاً أن الوقائع الحالية تؤكد صعوبة وصول الأفرقاء المحليين إلى تفاهمات من تلقاء أنفسهم، بدليل ما يحصل على مستوى الإستحقاق الرئاسي، حيث لم تظهر حتى الساعة أي بوادر لإمكانية التفاهم على إسم رئيس الجمهورية المقبل.

على الرغم من ذلك، تشدّد المصادر نفسها على أن العشاء السويسري أعطي أكثر من حجمه، على إعتبار أن أيّ دعوة جدية كان من المفترض أن توجّه إلى رؤساء الكتل النيابية أو الأحزاب السياسية، لا إلى ممثلين عنهم، وبالتالي ما كان يستحقّ كل هذه الضجة لم لو يعمد البعض إلى ربطه بالحديث عن حوار وطني شامل، بالتزامن مع التلميح إلى أنّه قد يتطرّق، في مرحلة لاحقة، إلى بعض التعديلات الدستورية.

على هذا الصعيد، من الممكن تفهّم مواقف بعض الأفرقاء المحليين من هذه الدعوة، خصوصاً بعد علامات الإستفهام التي رسمت حولها، لكن الحراك السعودي لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، نظراً إلى أنه كان يمثل حالة إستنفار عالية المستوى، تمثّلت بجولة سريعة قام بها البخاري على رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري.

من وجهة نظر مصادر متابعة، أرادت الرياض، من خلال هذا الحراك، أن تؤكد عدم إمكانية تجاوزها بأي شكل من الأشكال، بعد أن كانت قد تعمدت العودة القويّة إلى الساحة اللبنانية، وكان واضحاً أن عنوان هذه العودة الرئيسي هو منع المس بإتفاق الطائف، لا سيما أنّ حجم الأزمة التي وصلت إليها البلاد قد يفتح الباب أمام عودة بعض الطروحات التي لا تقبل بها السعودية، في حين هي كانت قد حصلت على موقف داعم من الجانبين الفرنسي والأميركي، تم التعبير عنه في البيان الثلاثي.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن الرياض تريد اليوم التشديد على عدم إمكانية الذهاب إلى أي تسوية لبنانية من دونها، وهو ما كانت تمهد الأرضية له، في الأسابيع الماضية، عبر حراك سفيرها في بيروت، الذي يعمل على جمع القوى والشخصيات السنية تحت عباءة السعودية، بالتزامن مع سعيها إلى تأمين الثلث المعطل نيابياً، ما يحول دون إمكانية وصول أيّ شخصية لا تحظى بموافقة بلاده إلى رئاسة الجمهورية.

في المحصّلة، النقطة المفصليّة، التي لا ينبغي تجاهلها، تكمن بأنّ الرياض لن تقبل الذهاب إلى أي تسوية جديدة في لبنان لا تكون من ضمنها، بالتزامن مع وضعها خطاً أحمرَ كبيراً أمام أيّ مس بإتفاق الطائف، أي أنها حددت سقفاً للتعامل مع هذه الساحة لن تقبل بتجاوزه، سواء كان ذلك من قبل أفرقاء محليين أو جهات خارجية.