بات من الؤكد ان الفراغ سيكون الساكن المقبل لقصر بعبدا بعد رحيل رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، لاسباب عدة لن ندخل في تفاصيلها حالياً، الا ان اساسها يرتكز الى سهولة تطبيق سياسة "فرّق تسد" على اللبنانيين. في المقابل، كان النشاط قائماً للاسراع في ​تشكيل الحكومة​ التي باتت تسابق الساعة الرمليّة، نظراً الى المهلة الضيقة جداً التي تفصلنا عن بقاء الحكومة المستقيلة وما يعينه ذلك من مواجهات سياسية ومناكفات ستزيد الامور تعقيداً بدل العمل على حلّها. وفي هذا السياق، تتصاعد المواجهة بين النائب ​جبران باسيل​ ورئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​، فعلى الرغم من حماسة ​حزب الله​ ودخوله على الخطّ، واعتماد مقاربة المدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​ لتذليل العقبات، لا يبدو ان المسألة باتت منجزة، وان الخروقات التي تسجّل لا تكفي للقول ان التشكيل اصبح على الابواب.

والثابت في الموضوع ان الجميع (كلن يعني كلن) يريد ان يضمن حصته في الحكومة الجديدة في ظلّ عهد الفراغ الذي لم تعرف بعد مدّة ولايته، واذا كان باسيل وميقاتي في الواجهة، فهذا لا يعني ان الباقين يقفون متفرجين او زاهدين بالحصص، انما "مشكلتهم" اكثر سهولة للحلّ من غيرها. ولا شك ان الكلام الصادر عن الجهات السياسية والحزبية في الايام الماضية، يصب في خانة الاسراع في تشكيل الحكومة، ولكن هذا المسعى يترنح تحت ضربات المطالب والمطالب المضادة. واذا اخذنا مثلاً كلام باسبل الاخير، فإنه يشير بوضوح الى ان انتخاب رئيس جديد مؤجّل الى اجل غير مسمّى، وان اقفاله الباب امام انتخاب رئيس المردة ​سليمان فرنجيه​ او قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ سبب كاف للتعجيل في تشكيل حكومة جديدة، وصرخة واضحة بأنّها يجب ان تكون البديل عن الفراغ الذي سيحصل في موقع الرئاسة (مع الاشارة الى انّ باسيل تقصّد الحديث عن العماد عون بشكل غير مباشر حين قال انه لا يجب ان يكون منصب قائد الجيش او حاكم مصرف لبنان او رئيس مجلس القضاء الاعلى محطة للقفز الى الرئاسة. وبما انّ منصب قيادة الجيش كان شبه الوحيد الذي حصل فيه مثل هذا الانتقال–الرئيس الراحل الياس سركيس كان الرئيس الوحيد الذي كان تولى حاكمية مصرف لبنان). وبغض النظر عن حدة السجالات وكثرة المطالب، فإن كل المؤشرات تصب في خانة ولادة الحكومة ولو انها ستكون ولادة قيصرية، لكنها ضرورية لمواكبة المرحلة المقبلة التي يظهر ان الخارج يضغط لتكون سلسة قدر الامكان، في انتظار وصول كلمة السر الرئاسية التي ستشهد اصطفاف الجميع خلف الشخصية المنتقاة خارجياً لانتخابها داخلياً مهما كان اسمها واياً كان موقف التيارات السياسية والاحزاب منها. صحيح ان الوقت بدأ ينفد شيئاً فشيئاً، ولكننا اعتدنا في لبنان ان تتبلور الامور في ربع الساعة الاخير، ولن يكون مفاجئاً رؤية حكومة جديدة تبصر النور في الساعات الاخيرة من انتهاء ولاية عون، بما يتيح لها تسلّم مهامها بشكل دستوريّ وشرعيّ لتحكم البلاد تحت انظار الفراغ الذي سيراقب خطواتها.

التفاؤل بالولادة موجود، ليس بسبب وعي المعنيين في لبنان، انّما في ظلّ الضغوط الخارجيّة، وهو ما يطمئن الى انّ سيناريو "الفوضى المدروسة" الذي عانينا منه سابقاً وخصوصاً منذ انطلاق ما سمّي بـ"الثورة الشعبيّة" ولمدة غير قصيرة، قد لا يجد طريقه الى التنفيذ مرة اخرى، الا في حال فشل الجهود السعودية في المحافظة على اتفاق الطائف والتوجه الى صيغة جديدة لتسيير شؤون البلد لسنوات مقبلة عبر مؤتمر قد ينتج عنه اما تطوير الاتفاق، واما ايجاد بديل عنه، وفي الحالتين ستكون السعوديّة الخاسر الاكبر، فيما من البديهي عندها ارتفاع حظوظ قائد الجيش للحلول في قصر بعبدا.