في خطوة لافتة، أقرت "​الاونروا​" ان عددا متزايدا من اللاجئين الفلسطينيين في ​لبنان​ باتوا يقولون للوكالة إن "أي شيء" اصبح أفضل من حياتهم اليوم. ارتباطا بمستويات الفقر غير المسبوقة، ومعدلات البطالة المرتفعة للغاية، ودرجات اليأس المتزايدة التي تنتشر في انحاء لبنان، الأمر الذي أثّر بشدّة على اللبنانيين ونازحي سوريا وفلسطين الذين يعيشون في مخيّمات مكتظّة، وهم أحد أفقر الناس في البلاد عبر العقود. أصبحوا الآن يتشبثون بآخر ما تبقى.

واقرار "الاونروا" بهذا الواقع المرير، تزامن مع اطلاقها مناشدة عاجلة للجهات المانحة لدعمها بالحصول على تمويل بقيمة 13 مليون دولار لمواصلة دعمها للاجئين الفلسطينيين في لبنان، البلد الغارق منذ أكثر من ثلاث سنوات في أزمة إقتصادية حادّة ومتسارعة.

وتحت عنوان "الوصول إلى الحضيض–لاجئو فلسطين في لبنان يخاطرون بحياتهم بحثاًعن الكرامة"،قال المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني ان هذه المناشدة تأتي وسط احدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في لبنان بالتاريخ الحديث، والتي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19 وسوء الحوكمة وانهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية. إن لاجئي فلسطين، الذين يعيشون في مخيمات مكتظة ويعانون بسبب سياسات التمييز، هم أحد أفقر الناس في البلاد عبر العقود. أصبحوا الآن يتشبّثون بآخر ما تبقى"، مشدداً على أنه لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات فعلية، إذ علينا أن نتحمّل المسؤوليّة الجماعية، وأن نمدّ يد العون للبنان للمساعدة في سحب الناس من على حافة الهاوية".

وقد تضافرت عدة أزمات محلية وعالمية لتشدّ الخناق على حياتهم حتى بات الموت من الفقر في المخيّمات لا يختلف كثيراً عن الموت في البحر سعيا وراء الهجرة والعيش بكرامة، تداعيات الانهيار الاقتصادي اللبناني وطول أمده من جهة، تراجع خدمات "الاونروا" المعنيّة برعايتهم وتشغليهم الى حين عودتهم من جهة أخرى، فيما اهتمام المجتمع الدولي يتجه الى مكان آخر حيث الحرب الروسية–الاوكرانية وانعكاساتها على النفط والغاز في اوروبا.

في التقرير، تؤكد "الاونروا"أن "كل لاجئ من فلسطين يعيش في لبنان تقريباً في فقر. لقد ارتفع متوسط تكلفة السلة الغذائية ستة أضعاف عن العام الماضي، وهي احدى أعلى الارتفاعات التي سجلها العالم هذا العام. كما أن تكلفة المياه والوقود والكهرباء والغاز والنقل والرعاية الصحية ارتفعت من ثلاث إلى خمس مرات. هناك نقص متزايد في الأدوية وباتت العائلات غير قادرة على دفع ثمنها منذ رفع الدعم الحكومي. لم يعد عدد كبير جداً من عائلات لاجئي فلسطين قادر على الدفع مقابل الرعاية الصحية الثانويّة. ويفقد اليوم بعضا من تلك العائلات العلاج المنقذ للحياة فقط لتجنب تراكم الديون".

وتقول إيمان، وهي أم لثلاثة أطفال من مخيم مار الياس: "إن الموت من الفقر لن يختلف كثيراً عن الموت في البحر. لقد أصبحت الحياة في لبنان لا تطاق مع وقوع أزمة تلو الأخرى. الشباب هم أولئك الذين يسعون بالعادة إلى الهجرة هرباً من هذا الواقع... لكن اليوم عائلات بأكملها اصبحت تبيع كل شيء وتخاطر بحياتها لمجرد الحصول على حياة كريمة".

وفيما دأبت "الأونروا" على المساعدة وتقديم المعونات النقدية وغيرها من الخدمات الأساسية، فإن مساعدتها ليست سوى قطرة في محيط من اليأس. ومع النقص الشديد الذي يُواجَه في تمويل المناشدات الإنسانية الطارئة، فإن لاجئي فلسطين غالبا ما يكونون غير قادرين حتى على العيش بكفاف. هناك حاجة فورية إلى أكثر من ذلك بكثير لتجنب المزيد من المآسي.

وقد لاقت المناشدة ارتياحا في اوساط اللاجئين وان جاءت متأخرة، اذ دعت القوى السياسية واللجان الشعبية والاهلية ادارة "الاونروا" أكثر من مرة لاعلان حالة طوارئ صحية واغاثية مع بدء الازمة الاقتصادية اللبنانية وتفشي جائحة "كورونا"، لمواكبة تداعياتها السلبية، والتي ترجمت مؤخرا بعد نحو ثلاث سنوات بالسعي الى الهجرة غير الشرعية وركوب البحر سعيا وراء حياة أفضل،مع ما يحمل ذلك من مخاطر الموت غرقا كما حصل مؤخرا قبالة الشاطئ السوري في طرطوس.

وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان اللافت في الهجرة غير الشرعية انها باتت جماعيّة، وليست فرديّة، ومن مختلف الاعمار وتتمّ عبر القوارب البحريّة بعدما كانت تعتمد طريق الجو، عبر السفر الى احدى الدول وتكون وجهتها عادة تركيا كمحطّة اولى، قبل الانتقال الى اليونان بطريقة غير شرعية ومنها الى ايّ دولة تقبل طلبات اللجوء الانساني وخاصة المانيا، وانها مُكلفة اذ باعت عائلات هاجرت كل ما تملك لدفع تكاليفها ومنها من نجح ومنها من فشل وعاد الى "الصفر" وتحت خط الفقر المدقع، ومنها من غرق ومات وتحولت أجسادهم الى طعام للأسماك في أعماق البحر، ناهيك عن وقوع الكثيرفريسة بين يدي السماسرة وعصابات تجار البشر التي تتقاسم الأموال.

ورحّب رئيس "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" علي هويدي بإعلان المناشدة وحث الدول المانحة على التجاوب السريع والمساهمة في العمل على إنقاذ من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وللعيش بكرامة ولتمكين "الأونروا" من القيام بمهامها وتقديم المساعدات وخدمات الصحة والتعليم والإغاثة والبنى التحتية للمخيمات.في وقت يتهدد فيه المخيمات الفلسطينية اليوم خطر تفشّي فيروسالكوليرا، بعد تسجيل وزارة الصحة اللبنانية رسميا ازدياد الحالات والوفيّات. هذا هو أول تفشٍّله في لبنان منذ وقت طويل.

وحسب وكالة "الأونروا" يعيش في لبنان 210 آلاف لاجئ فلسطيني من بينهم 30 ألف من سوريا بظروف معيشية مكتظّة في 12 مخيماً رسمياً، بالإضافة إلى تجمّعات أخرىفي ظروف معيشيّة مكتظّة. وانه استنادا إلى آخر مسح أجرته الأونروا، فإن 93 بالمئة من كافة لاجئي فلسطين في لبنان فقراء. فيما يحظّر عليهم ممارسة 39 مهنة، بما في ذلك في مجالات الطبّ العام وطبّ الأسنان والصيدلة والعلاج الوظيفي والقانون وغيرها من المهن.