في ظل "الكباش" المستمر حول ​تأليف الحكومة​ الأخيرة في ولاية رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، التي من غير المحسوم أن تقود المشاورات إلى ولادتها، يتحضر "​التيار الوطني الحر​" إلى جولة جديدة من المواجهة مع من يطلق عليهم وصف "المنظومة"، التي يشدّد بشكل دائم على أنّه لم يكن جزءاً منها في أي يوم، سواء تألفت هذه الحكومة أو لم تبصر النور.

منذ توقيع إتفاق الطائف، كان عون الفريق الوحيد الذي لم يوافق عليه، الأمر الذي قاده إلى مواجهات مع غالبية القوى والشخصيات التي كانت حاضرة في ذلك الوقت. وبعد عودته، في العام 2005، وجد نفسه في مواجهات مع هذه "المنظومة"، بدأت مع السعي لإبعاده عن الحكومة التي ولدت بعد الإنتخابات النيابية التي حصلت في العام نفسه.

بعد ذلك، وجد رئيس الجمهورية في "حزب الله" الحليف الأساسي الوحيد على الساحة اللبنانية، في حين كانت علاقاته مع غالبية الأفرقاء الآخرين غير جيدة، إنطلاقاً من الصراع المستمر مع "المنظومة"، حيث ظن البعض أنه سينتهي بعد مروحة التسويات التي عقدها، في العام 2016، قبل وصوله إلى قصر بعبدا، لكن تبين سريعاً أنها ستكون أشد قسوة.

في العام 2016، كان رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ هو الجانب الوحيد، من بين الأفرقاء الأساسيين، الذي لم يلتحق بالتسويات، لا بل كان يؤكد، في العديد من المناسبات، أنه سيكون في موقع المعارض، على عكس كل من رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​، بالإضافة إلى رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، الذي كان أول المبادرين إلى عقد تفاهم مع "التيار الوطني الحر".

الأيام الأخيرة من ولاية عون، كانت عبارة عن الصورة التي كانت عليها علاقته مع تلك "المنظومة"، منذ عودته إلى البلاد حتى اليوم وخلال ولايته الرئاسية، حيث أكد "الكباش" الحكومي أن شيئاً لم يتغير على مستوى تلك العلاقة، فعون يرفض الإستسلام إلى ما تطرحه عليه من شروط، الهدف الأساسي منها إضعاف "التيار الوطني الحر" في المرحلة المقبلة، بينما هو يخوض المواجهة من منطلق أن ليس لديه ما يخسره على هذا الصعيد.

طوال السنوات الست الماضية، كان "التيار الوطني الحر" في موقع القوي، الذي لم يتردد في خوض المعارك مع خصومه، رغم أن بعض الفترات كانت تشهد ما يمكن تسميته بالهدُنات الموقتة، خصوصاً أن زعيمه كان في الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية، لكن في المقابل لم يكن هؤلاء الأخصام أقل قوة، بل وجهوا اليه مجموعة من الضربات، التي قادت إلى ما وصل إليه العهد في نهايته، في حين كان حليفه، أي "حزب الله"، يسعى إلى تدوير الزوايا، لا سيما مع بري، بشكل دائم.

غداً، يخرج عون من القصر الجمهوري عائداً إلى الرابية، بعد أن بادر إلى توجيه مجموعة واسعة من الرسائل إلى أركان تلك "المنظومة"، لا سيما بري وجنبلاط، بينما حل رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​ مكان الحريري في المعادلة، عنوانها الرئيسي أنه مستمر في المعركة التي يخوضها حتى النهاية، لا بل هو سيكون "أشرس" بعد تخلصه من المسؤوليّات التي يفرضها عليه الموقع الرئاسي.

من حيث المبدأ، من المنطقي الحديث عن أن ولاية عون كان الممكن أن تكون أفضل فيما لو ذهب إلى سياسة المهادنة مع "المنظومة"، خصوصاً أنّه لم يكن يملك أوراق القوة التي تسمح له بخوض مواجهة مفتوحة معها، لكن هو فضل المواجهة مراهناً على أن تكون النتائج أفضل، أما اليوم فإن السؤال الأساسي هو عمّا يملكه من أوراق في الجولة الجديدة المنتظرة، لا سيما أن المعطيات تؤكد أن "المنظومة" لن تكون متساهلة معه؟.

في المحصّلة، أخطر ما في هذه المواجهة هو أنها تأتي، في حال لم تُشكل الحكومة الجديدة، في ظلّ أزمة دستورية خطيرة، يؤكد "التيار الوطني الحر" عليها بينما ينفي الأفرقاء الآخرين وجودها، بالإضافة إلى عجز سياسي واضح تعبر عنه توازنات المجلس النيابي الحالي، وبالتالي التداعيات التي قد تترتب عليها قد تكون كبيرة جداً.