لا شَعبَ في لبنان. قيلَ أنَّ فيه شُعوباً مُتباهِيَةً بِدَولَةٍ مَكمومَةٍ، وأنَّ فيهِ قَبائِلَ تَبرَعُ في تَحويلِ الإنكاراِت الى إبداعاتٍ.

أنا هَمِّي في مُنَطلَقٍ آخَرَ. هَمِّي أنَّ ما في لبنانَ من رَواسِبَ بَشَرٍ ما عَرِفَ قيمَةَ لبنان، ولا فَضلهُ على البَشَرِيَّةِ. والأنكى، أنَّه ما بَلَغَ مَرتَبَةَ أنَّ لبنان عَطِيَّةُ الألوهَةِ، وَهوَ مُطلِقُ جَوهَرِ الله في الوجودِ.

هي الحُرِيَّةُ التي ما بَلَغَتها رَواسِبُ البَشَرِ التي في لبنان، والمُدَّعِيَةُ زوراً أنَّها شَعبٌ، وَشَعبٌ "عَظيمٌ".

الحُرِيَّةُ هيَ بُرهانُ العَقلانِيَّةِ، وأدِلَّةُ الخَيرِ، وَميزانُ الفَضائِلَ، التي مَتى إجتَمَعَت شَكّلَت لا يَقينَ الحَياةِ فَحَسبِ، بَل قَناعَةَ الإيمانِ وإقتِناعاتِهِ.

والحُرِيَّةُ مُذ سُوِيَّتِ البَشَرِيَّةُ، والبَشَرُ إليها صاعِدونَ، مِن الدُنى، إمتِشاقَ نَشوَةٍ مِن ذواتِهِمِ الفَردِيَّةِ والجَماعِيَّةِ، لِلظَفَرِ بِها لا غَنيمَةً، بَل بُلوغاً لِفوقٍ وَمِن فَوقٍ. بِها يَتَصَوَّنُ الصاعِدُ والقِمَّةُ، القاعِدَةُ والوجودُ، الأركانُ والطوارِئ... فَلا سُقوطَ الى عَدَمٍ مِن بَعدِ صَوَّانِها.

وَفي ما هيَ ذَلِكَ، هيَ لُقيا اللهِ، والإلتِقاءُ في حَقائِقِهِ، والِلقاءُ في لامُتَناهِيَّتِهِ.

بِهِ إتِّساعُ كُلّ مَدى، إذ هوَ السِعَة التي لا سِعَةَ أخرى غَيرَها.

وَمِنهُ مُصادَقَةُ مَدارِكَ سَوغِ الماهِيَّاتِ وَسَبكِ العَرَضِيَّاتِ.

وَمَعَهُ، إذ هوَ الإرادَةُ التي لا إرادَةَ غَيرَها وَمِن دونِها، يَأتَمِرُ البَدءُ فَيَتَحَوَّلَ خَلقاً، وَتَنبَثِقُ الخَلائِقُ قيمَةً بِحَدِّ ذاتِها وَقَد أدرَكَتِ الأقصى فَلا نِهايات بَعدُ لَهَا، بَل بَقاءَ.

أقيمَةُ شَعبٍ هيَ في اللهِ؟.

أنا ما إكتَفَيتُ بِذَلِكَ. قصَدتُ أكثَرَ: قيمَةُ قِيَمِ الفَردِ وَشَعبِهِ، والشَعب وأفرادِهِ، هيَ في وقوفِهِ مِن وِجهَةِ اللهِ والرُكونُ إلَيها، والإرتِكازُ عَلَيها. إذ لَولاها لَمَا كانَ شَيءٌ مِمَّا هوَ كائِنٌ، كَونُهُ هوَ المُطلَقُ. لا قَبلَ لَهُ وَلا بَعدَ.

مُنتَهى الِلثامِ

أرَواسِبُ البَشَرِ في لبنانَ شَعبٌ؟ مُنتَهى الِلثامِ أنَّ تِلكَ الرَواسِبَ إستكانَت في لَعِبِ دَورِ آدَمَ وإستَطابَت لا التَنَكُّرَ لِوِجهَةِ اللهِ فَحَسب، بَل مُصادَرَتِها، وَتأليهِ ذاتِها بِذاتِها... فَوَقَعَت ضَحِيَّةَ سُنَنِ العُبودِيَّاتِ، بِها سَجَنَت نَفسَها بِنَفسِها.

أشَعبٌ هوَ مَن يَختارُ لا إلزامِيَّةَ أن يَكونَ بَل طَواعِيَّةَ ألَّا يَكونَ، إرضاءً لأيِّ مَشيئَةٍ خارِجِيَّةٍ يَستَجلِبُها لِكَي تَتَأرَّضَ، في الكابوسِ، كُلُّ دَعوَةٍ هوَ لَها؟.

أشَعبٌ هوَ مَن يُقيمُ لِمُحتَلِّيهِ نُصُباً، وَلِمُغتَصِبيهِ يَنسُبُ شَوارِعاً، وَعَلى قارِعاتِ تَواريخِهِ يَتَقاتَلُ، فيما مِنهُ حاضِرُهُ هارِبٌ، وَمُستَقبَلُهُ نِكِرَتُهُ؟.

أشَعبٌ هوَ مَن يَتَغَنَّى بإعتِباطِيَّاتِ تَقبيلِ اليَدَينِ، وَلَحسِ أيِّ قَفا، وَكَيلِ مَدائِحَ البَلاطِ: "وِجَّك...، جبينَك...، زِندَك..."، لِلفَوزِ بِحُظوَةٍ والظَفَرِ بِمُخالَفَةٍ والإستِكلابِ في مَنصِبٍ، نِكايَةً بطاقاتِهِ وَدَوساً لِنُخَبِهِ؟.

أشَعبٌ هوَ مَن يُنَصِّبُ عَلَيهِ سُلالاتِ زَعاماتٍ، غُلماناً لِغُلمانٍ، تَستَشرِسُ في إدِّعاءِ مَظلومِيَّاتٍ قاتِلَةٍ تُصَوِّرُها "حُروباً كَونِيَّةً" لا تَستَطيعُ أمراً إلَّا بِها لِتَستَمِرَّ... وَتَرفَعُ شِعاراتِ النَصرِ، وَقَد باعَتهُ في أسواقِ رَجاسَةِ العالَمِ بِأقَلَّ مِن ثَلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ، مُحَوِّلَةً هَزائِمها الى إنتِصاراتٍ، فَيَهيجُ وَيَبيتُ عِندَ أقدامِها مُستَهطِلاً مِنها مَزيدَ الإستِعبادِ؟.

أشَعبٌ هوَ مَن يُساقُ بالمَكائِدَ والنِكاياتِ وَفَرائِضَ النَكَدِ وَجَبرياتِ العِنادِ وَجُنوحِ الإستِهجانِ وَذَميمِ الفراغِ، فَيُهَلِّلُ لِلغَباءِ فَريضَةً، ولِلإستِغباءِ وجوباً، وَلِلعُهرِ إنجِذاباً، وَلِلخُنوعِ إكسيراً؟.

أشَعبٌ هوَ مَن يَستَجدي أفرادُهُ، رَهائِنَ إستِرقاقِ المَسودينَ، أيَّ شِبهِ أزمَةٍ لِيَستَغِلُّوا المَجموعَ بِكَيفِيَّاتِ الإنحِطاطِ؟.

مُعضِلَةُ لبنانَ الدالِّ الى غايَةِ الغاياتِ، وَمُصيبَتُهُ، أنَّهُ خَلَقَ اللهَ... وَشَعبُهُ الشَيطانُ بِرؤوسٍ كَثيرَةٍ.