"الفكرة بلّشت لمّا بعت أول مرطبان مكدوس من 4 سنين". بهذه الكلمات وبلهجة بقاعية محبّبة، تلخّص "سعاد"، إبنة البقاع الشمالي، بدايات مشروعها الصغير لتحضير وبيع مجموعة واسعة من أصناف المونة المنزلية (مكدوس، كشك، مربيات، دبس، مخللات، ورق عنب). فالبرغم من توافر المواد الغذائية في المحلات التجارية الكبرى في المدن، إلّا أنّ مذاق الأطعمة التي تُحضَّر منزليًا لا يضاهى، عدا عن كونها مفيدة صحيًا لخلوّها من أي مواد حافظة.

كيف بدأ المشروع؟

عن انطلاقة المشروع، تشير سعاد إلى أنه "منذ 4 سنوات، بالتحديد في شهر تشرين الأول، أي شهر المكدوس كما نسمّيه في البقاع، حضرت صديقة شقيقتي على الفطور في منزلنا. وبعد إعجابها بمذاق "المكدوسات"، طلبت قبل مغادرتها، شراء "مرطبان" مكدوس. بعد مدّة، اتصلت بي وعرضت عليّ إعداد المزيد، بالإضافة إلى أصناف أخرى من المونة، على أن تتكفّل هي بتصريفها عبر صداقتها أو عبر "دكان" والدها الصغير في بيروت، بالإضافة إلى بيع مختلف أصناف "الكبيس" إلى اكثر من مطعم. وبالفعل، هذا ما حصل، واستطعت الحصول على مبلغ مقبول من المال. كما اتفقنا على توسيع المشروع في الموسم المقبل".

وتتابع سعاد: "مع مرور الوقت، بدأت تتزايد الطلبات، حتى باتت تفوق قدرتي على تحضير المونة، مما اضطرّني للاستعانة بجارتي "سهام" من التابعية السورية مع 3 سيدات أخريات، على أن يتقاضين أجرًا لقاء أتعابهن. وهكذا "كبر سوقي"، وأصبح لدي طلبيات لبعض المغتربين"، مشيرةً إلى أنّ "هذا المشروع مربح وليس فيه أي مخاطرة كونه لا يحتاج إلى رأس مال كبير. كما أنني لا أقوم بإعداد المونة قبل تأمين تصريفها، وبالتالي الأمور سالكة بطريقة ممتازة وإمكانية الخسارة معدومة".

تمكين النساء اقتصاديًا

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها ​لبنان​، لا بدّ من تشجيع المرأة الريفية وتمكينها من خلال دعم قدراتها وتسليط الضوء على المنتجات الزراعية الغذائية التقليدية التي تنتجها، مما يساهم بتحريك العجلة الاقتصادية، كما إبراز دور المرأة الفاعل في تحسين سبل العيش.

وعن أهمية مثل هذه الأعمال في تمكين النساء القرويات اقتصاديًا، تؤكد سعاد أنّ "المشروع، رغم صغره، إلّا أنه يؤمّن مردودًا مقبولًا لخمس سيدات من دون دعم أي جهة. وفي حال تطويره، يمكن أن يؤمّن فرص عمل، ولو موسمية، لمجموعة أكبر من السيدات".

من جهتها، تلفت سهام إلى أنّ هذا المشروع الصغير كان بمثابة فرصة لها لكسب المال ومساندة زوجها في ظل غلاء المعيشة. كما شكّل حافزًا لها لتأمين تصريف الإنتاج عبر عرض صور المونة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتأمين سوق أوسع، مما يزيد هامش الربح بالنسبة لها.

بدورها، تدعو سفيرة ​المونة اللبنانية​ إلى الدول العربية ريما برقاشي النساء الريفيات إلى الدخول في مثل هذه المشاريع بعد الخضوع للتدريبات الأساسية اللازمة، معتبرةً أنّ "على المجتمع المحلي تشجيع مثل هذه المبادرات ودعمها من خلال شراء المنتجات المحلية، فهي بالدرجة الأولى صحية وخالية من المواد الحافظة، كما أنها تساهم في مساعدة النساء اقتصاديًا وتؤمّن لهن مدخولًا جيدًا".

وتوضح برقاشي أنها تقوم بجولات على القرى في مختلف المناطق اللبنانية لتدريب النساء على إنتاج المونة، كما تقوم بدورات تدريبة من خلال الجمعيّات والتعاونيات وفي السفارات، بهدف خلق فرص عمل للسيدات الريفيات في إطار التنمية الريفية المستدامة.

تصريف الإنتاج

كما أي مشروع إنتاجي آخر، هناك حاجة أساسية لتأمين أسواق لتصريف الإنتاج. وهنا تبرز الحاجة إلى توسيع المبادرات المحلية لتشجيع منتجي المونة اللبنانية وخلق أسواق أكبر لها. وتلعب بعض الجمعيّات المعنيّة دورًا كبيرًا في هذا المجال من خلال تنظيم المعارض وإنشاء المشاريع المشتركة للعمل في تحضير وإعداد المونة وتسويق وتصريف المنتجات.

وهنا تشير برقاشي، التي بدأت العمل في مجال تدريب النساء على إنتاج المونة منذ العام 2000، إلى أنّ "جودة المنتج هي الأساس"، لافتةً إلى أنّ "التدريب يتمّ على مرحلتين: الأولى هي حول الجودة والسلامة الغذائية، وبعد إنجاز المرحلة الأولى، ننتقل إلى مرحلة التدريب على صناعة الغذاء وفق المعايير الصحية".

وحول سبل تصريف الإنتاج، تلفت برقاشي إلى أنه "في يومنا هذا، تعتبر وسائل التواصل الإجتماعي أبرز وسيلة لتسويق المنتجات وبيعها. وهنا تكمن أهمية التدريب الذي تخضع له السيدات، فالمنتج عالي الجودة والذي يتمّ توضيبه بطريقة لافتة من السهل تسويقه. كما هناك العديد من المعارض في لبنان والخارج يتمّ التسويق من خلالها".

في هذا السياق، يكشف رئيس "تجمّع الصناعيين في البقاع" نقولا أبو فيصل عن وجود عدّة اتفاقيات تجارية مع جمعيّات وتعاونيات، لغاية تصنيع منتجات المونة اللبنانية لصالح بعض المصانع، وكلها خاضعة للرقابة من ناحية الجودة والنوعية وتجرى عليها التحاليل المخبرية اللازمة، حيث يتمّ تصنيع أصناف التين وجميع أنواع المربيات والمونة التقليدية، لافتًا إلى أنّ "هذه التعاونايات مرتبطة بعقود تجارية مع مصانع ويتمّ الإنتاج وفقًا لطلبيات مسبقة وبأسعار ثابتة ومحدّدة بالدولار الأميركي".

ويوضح أبو فيصل: "هناك إنتاج كامل يباع للمطاعم والمحلات التجارية وحتى للأفراد، وهذه المشاريع تتطوّر، كما أنّ الوكالة الأميركية للتنمية ساهمت إلى حدّ كبير بمراقبة عمل هذه الجمعيّات لناحية الجودة، وقد تمّ تزويدها ببعض التجهيزات للتنصيع الجيّد. ونحن بدورنا كتجمّع للصناعيين في البقاع، نساند عمل الجمعيّات والتجمعات والتعاونيات الريفية، وقمنا بتلبية عدّة دعوات للشراكة مع التعاونيات، ولكن هذا الموضوع بحاجة إلى قوننة".

دور ​وزارة الزراعة

لوزارة الزراعة دور كبير في دعم وتسويق المنتجات الزراعية اللبنانية بالإضافة إلى أصناف المونة المنزلية. فقد وضعت الوزارة خططًا لتسويق أكثر من 27 منتجًا من المونة والمطبخ اللبناني.

وفي هذا الإطار، يؤكد مدير عام وزارة الزراعة لويس لحود أنّ "الوزارة مستمرّة في تنظيم أيام للمنتوجات الزراعية النباتية والحيوانية والمونة والمطبخ اللبناني في لبنان والخارج، بالتعاون مع السفارات اللبنانية وبعثاتنا الدبلوماسية في البلدان المختلفة"، مشيرًا إلى أنّ "الوزارة تشجع كل مبادرة تهدف إلى تسويق المنتجات اللبنانية في الأسواق المحلية والعالمية، مما يساهم بصمود اللبنانيين في قراهم في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد".

ويكشف لحود أنّ "الوزارة أقامت أيامًا وطنية للمونة اللبنانية في لبنان والخارج، كما نعلب دورًا من خلال المعارض الموسمية، ووزير الزراعة عباس الحاج حسن يدعم أي فكرة أو مبادرة تساهم بتنمية الأرياف وتؤمّن فرص عمل للسيدات. كما يسعى جاهدًا لتأمين الدعم لهن من خلال المنظمات والجمعيّات الأهلية والدولية والجهات المانحة".

وأكد لحود "أننا نسعى، من خلال الجولات التي نقوم بها على المناطق، إلى فرض معايير ومواصفات عالية الجودة للمنتج اللبناني. وكان لنا تأكيد في اليوم العالمي للمرأة الريفية، في 15 تشرين الأول الفائت، بأنّ مثل هذه المشاريع أمر أساسي للسيدات الريفيات ويساعدهن على تأمين دخل جيّد لهن، كما أنهن يساهمن بتأمين الحاجات الغذائية والأمن الغذائي للبنان".

ويشير لحود إلى أنه "في مطلع شهر أيلول الفائت، التقيت بالمؤسسات البلجيكية الخاصة في الغرفة التجارية العربية-البلجيكية-اللوكسمبورجية، وبحثنا في تعزيز التعاون الزراعي بين لبنان وبلجيكا، خصوصًا في مجالات تعزيز الصادرات وتدابير الصحة ‏الحيوانية". ويتابع لحود: "تمنينا خلال الزيارة على القطاع الخاص البلجيكي دعم لبنان والمعاونة في تسويق منتجات المونة والمطبخ اللبناني، وتمّ الاتفاق على سلسلة خطوات مشتركة بين الوزارة وغرفة التجارة للتسويق وتأمين صلة الوصل بين المنتجين اللبنانيين والشركات البلجيكية."

ويشدّد لحود على أنّ "السلع اللبنانية أصبحت متوفّرة اليوم لدى أعرق المتاجر البلجيكية، التي تركّز على الشراكات المستدامة مع صغار المنتجين والحرفيين المتخصّصين في المنتجات الغذائية عالية الجودة ذات قيمة مضافة".

في الختام، تعتبر مشاريع تحضير وبيع المونة المنزلية واحدة من ركائز التنمية الريفية وتمكين المرأة إقتصاديًا. وبالرغم من الوضع المأساوي الذي يمرّ به لبنان، يمكن أن تشكّل سندًا للعائلات الريفية. كما تبرز الحاجة إلى دعم هذا القطاع من قبل الدولة والجمعيّات الدولية والمحلية، إذ تشكّل هذه المشاريع حلقة اقتصادية مترابطة يستفيد منها المزارع وكل العاملين في تحضير المونة، بالإضافة إلى منتجي المواد الأولية.

في حال الحاجة للتواصل :

جمعيّة الصناعيين في البقاع: 08542360

Email: nicolasaboufayssal@gmai.com

المدرّبة ريما برقاشي:

Email: rimaberkachy@hotmail.com