لا يمكن الفصل بين الواقع الذي تمر به الساحة المحلية وما يحدث على مستوى العالم والمنطقة، لا سيما أن الجميع ينتظر ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات، كانت بوادرها مع النتائج التي أفرزتها الإنتخابات التشريعية الإسرائيلية، أول من أمس، التي قادت إلى عودة رئيس الوزراء السابق ​بنيامين نتانياهو​، الذي كان قد هدد بعدم الإلتزام بإتفاق ​ترسيم الحدود​ البحرية، إلى السلطة من جديد.

عودة نتانياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، لا تنفصل عن تطور آخر، من المفترض أن يتضح خلال أيام، يتمثل بنتائج الإنتخابات النصفية الأميركية، حيث الإستطلاعات ترجح تقدم الحزب الجمهوري على الحزب الديمقراطي، ما يعني من حيث المبدأ تقييد الفترة المتبقية من ولاية الرئيس جو بايدن، مع تقدم نفوذ عدد من القوى الإقليمية التي هي على خصومة معه، أبرزها المملكة العربية السعودية.

لهذا الواقع المستجد تداعياته على الساحة المحلّية، التي كانت قد دخلت مع بداية الأسبوع الحالي فترة الشغور الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف أعمال، في حين يبدو من الصعب الإتفاق على إسم الرئيس المقبل خلال وقت قريب، نظراً إلى الإختلاف في وجهات النظر بين الأفرقاء الأساسيين، في حين أن مسار إتفاق ترسيم الحدود النهائي من المفترض أن يتظهّر خلال وقت قصير، حيث لا يمكن الجزم منذ الآن بما إذا كانت مواقف نتانياهو هي عبارة عن تصعيد إنتخابي فقط أم لا.

في هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن التهديد الذي يواجهه هذا الإتفاق جدي، خصوصاً أنه لا يمكن الإعتماد على الضمانة الأميركية فقط، نظراً إلى أن الإدارة الأميركية الحالية لا تملك القدرة على تقديم ذلك، لا سيما أن نتانياهو، على الأرجح، سيسعى إلى لعب دور في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، يشبه إلى حد بعيد الدور الذي لعبه في الإنتخابات التي قادت إلى فوز الرئيس السابق دونالد ترامب، عندما توجه إلى الكونغرس الأميركي من أجل ألقاء خطاب معارض لتوقيع الإتفاق النووي من قبل إدارة باراك أوباما.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الضمانة الحقيقية الوحيدة تكمن بتوازن القوى القائم على هذا الصعيد، أي فيما إذا كان نتانياهو سيذهب إلى أي خطوة من الممكن أن تقود إلى الحرب، الأمر الذي يهدد الإستثمارات الغازية الإسرائيلية أم لا، لا سيما أنه يدرك جيداً أن هذا الأمر لن يحظى فقط بمعارضة الإدارة الأميركية الحالية بل أيضاً البلدان الأوروبية، التي هي اليوم، بسبب الحرب في أوكرانيا، بأمس الحاجة إلى مصادر الغاز البعيدة عن نفوذ موسكو.

بعيداً عن سيناريو الحرب، الذي من المرجح أن يقلب كل المعطيات القائمة على المستوى الرئاسي في ​لبنان​، مع العلم أن التسوية المنتظرة باتت تخطى البحث عن إسم رئيس الجمهورية فقط، كان من الواضح، في الفترة الماضية، أن جميع القوى السياسية لم تبادر إلى إتخاذ أي خطوة إلى الأمام رئاسياً، الأمر الذي يؤكد ترقبها لما هو مقبل من تطورات.

في قراءة المصادر السياسية المتابعة، لا يجب التقليل من أهمية الإشارات التي كان "حزب الله" قد أرسلها، لناحية التمسك بمرشحه الضمني رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية ورفضه فكرة الذهاب إلى خيار الرئيس الوسطي أو تكرار تجربة الرئيس السابق ميشال سليمان، نظراً إلى أن هذا الأمر، بالرغم من الخلافات القائمة داخل الفريق الواحد حول هذا الترشيح، تعني البقاء في مرحلة ترقب من دون تقديم أي تنازلات.

في المقابل، تشير هذه المصادر إلى أن الوقائع في الجانب الآخر لا تختلف، حيث تلفت إلى أن الأساس هو محاولات الحشد التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، التي تصب في إتجاه السعي إلى التشدد في التعامل مع الإستحقاق الرئاسي لا البحث عن تسوية، حيث ترى الرياض أن الفرصة اليوم متاحة من أجل فرض الشروط التي كانت تضعها في الفترة الماضية، أي لناحية أن المطلوب من القوى اللبنانية الحليفة لها التصعيد لا المهادنة.

في المحصلة، هي معادلات قد تكون من وجهة نظر الكثيريين غير متوقعة، لكنها من الناحية العملية قائمة بقوة، حتى ولو كانت لا تلغي فرضية العودة إلى التسويات من جديد، وهو ما يدفع إلى التذكير بالمعادلة التي كانت قائمة لدى إنتخاب الرئيس السابق ميشال عون، التي سبقت الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث كان هناك شبه توافق على أن عون ما كان لينتخب فيما لو تأجلت التسوية إلى ما بعد إنتخاب ترامب.