المسيحية ديانة المحبّة بامتياز، وقد ورد في إنجيل يوحنا: "بِهَذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلَامِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ"(يوحنَّا 13: 35). محبّة بعضنا بعضًا هي الإنسانيّة الطبيعيّة التي يجب أن نتحلّى بها، نحن اتباع المسيح، خصوصًا في تفاعلنا مع الآخرين. لهذا أوصى يسوع قائلًا: "بِهَذَا أُوصِيكُمْ حَتَّى تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا"(يوحنا ١٥: ١٧). أيضًا ورد في رسالة يوحنا: "أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لِأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ ٱللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ ٱللهِ وَيَعْرِفُ ٱللهَ"(١ يوحنَّا 4: 7). أما في إنجيل متّى فقد ورد: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ"(مَتَّى 22: 37-39).

هذه هي المسيحيّة التي أرسى قواعدها يسوع المسيح، وبناها على أسس متينة، لا على مصالح وغايات. أن تكون مسيحيًا، فأنت ملزم بحمل لواء المحبّة والغفران، وقد نبّه المسيح من الإنقسامات قائلًا: "كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَثْبُتُ"(متى 12: 25).

الإختلاف في الرأي أمرٌ طبيعي ومنطقيّ، لكنّ الطريقة تختلف لجهة الموضوعيّة والأخلاق والرقيّ واللياقة والترتيب والتخاطب. فقد ورد عند بولس الرسول: "وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ"(1 كورنثوس 14: 40). هنا اقتبس الرسول التعبير الخاص بالترتيب من التعابير العسكريّة، حيث يلزم أن يكون الجيش في نظام دقيق. أيّ خلل في النظام العسكري يؤدّي إلى انهيار الجيش وضياع الدولة، هكذا يلزم ألا يستهين أحد بنظام وتعاليم الكنيسة.

إن ما نشهده في وطننا، ينعكس سلبًا على العائلات التي تتخبط بمشاكل وصعاب جمّة. الأمر الذي أدّى ويؤدّي إلى تراكمات عديدة، قد تدفع المرء إلى اللجوء إلى معالجين نفسيّين أو أطباء، وهذا مهم جدًّا، ولكن لا يجب أن ينسى المرء دور الحياة الروحية والكنسيّة، بالإضافة إلى الصوم والصلاة، ودور الجماعة الحاضنة.

الصلاة وعمل الرحمة لها دور أساسي في حياتنا، فنحن مدعوون، وعلى الرغم من كل الصعاب، أن نصنع الرحمة مع اقرب المقربين أولًا، ومع الآخر. فمن تحلّى بروح الرحمة، هذا شاهد لربه، لأن الله رحيم. أفعال الرحمة لا تكون فقط من خلال العطاء المادي، إنما أيضًا بالمبادرات المعنوية.

كم نحن أحوج هذه الأيام لنعضد بعضنا بعضًا، ولا سيما بين المتزوجين وسائر افراد الأسرة، فهذا الضغط الذي نعيشه، يؤدي حتماً إلى توترات. فلنتذكر أن المحبة التي نترجمها رحمة سماوية، تساعدنا على ضبط الأمور بالحدّ الأدنى، وبالتالي نتخطّى صعاب كثيرة، ونحافظ على عائلاتنا ووحدتنا ومحبتنا، ليس فقط عائليًا، إنما على صعيد الوطن، الذي بات بأمسّ الحاجة إلى فعل الرحمة وعيش المحبة، نتيجة الإختلافات والتناقضات والإنقسامات. وبهذا يعرف الناس أننا عبيد الله، لا عبيدٌ للشرّير.