لا يمكن فصل الحراك السعودي في لبنان، منذ عودة سفيرها وليد بخاري قبل أيام من موعد الإنتخابات النيابية، عن السعي إلى إعادة رسم التوازنات في هذه الساحة، بعد أن كان نفوذها قد سجل تراجعاً، خصوصاً أنها، في مرحلة ما، قررت الإبتعاد، بسبب إعتراضها على مواقف بعض الأفرقاء المحليين.

في أساس الإبتعاد السعودي، كان هناك رغبة في توجيه رسالة بأنها لن تعود إلا بعد تنفيذ شروط معينة، أبرزها الدفع نحو مواجهة مع "حزب الله"، الذي ذهبت إلى تصنيفه منظمة إرهابيّة، الأمر الذي قاد إلى إبتعاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن الواجهة، بعد أن حُمل مسؤولية التسويات التي كانت قد أبرمت في السنوات الماضية، لا سيما تلك التي حصلت مع "التيار الوطني الحر".

هذا الواقع، يقود إلى فهم المواقف التي عبّر عنها بخاري، بعد ظهور نتائج الإنتخابات النيابية، التي رأى انها "مشرّفة" بعد سقوط "كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية"، الأمر الذي كان يعبر عن رغبة في تسجيل إنتصار غير موجود، بسبب توازنات المجلس النيابي، يكون مقدمة نحو فرض واقع جديد، بحسب ما ترى مصادر سياسية متابعة لـ"النشرة"، وهو سعى إلى إستكمال ذلك عبر حراك يهدف إلى الإمساك بالساحة السنية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما كانت ​السعودية​ بحاجة إلى كل هذا الحراك فيما لو كان تيار "المستقبل" ضمن المعادلة، لكن في ظلّ قرار إبعاده كان المطلوب أن تنزل بنفسها إلى قلب المعركة، حتى ولو كانت النتائج العمليّة لا تزال دون المستوى المطلوب، نظراً إلى أنها في الإستحقاق الأساسي، الذي ينتظر البت به، أي الإنتخابات الرئاسية، لا تملك أكثر من حقّ "الفيتو" عبر لعبة تعطيل النصاب.

ضمن هذه الأجواء، تمّ إدخال إتفاق الطائف إلى قلب المواجهة، خصوصاً بعد السجال الذي كان قد رافق الدعوة إلى عشاء في السفارة السويسرية في بيروت، بعد أن كان السفير السعودي قد مهّد إلى ذلك عبر إطلاق سلسلة من المواقف التي تحذر من المسّ به، بالرغم من أنّ غالبيّة القوى الأساسيّة تؤكّد التمسك به، بغض النظر عن الأزمات الدستوريّة التي كانت قد شهدتها البلاد في السنوات الماضية.

إنطلاقاً من ذلك، تقرأ المصادر السياسية المتابعة الخلاصات التي تمّ التوصل إليها، في المؤتمر الذي عقد في الأونيسكو يوم السبت الماضي، حيث تشير إلى أنّ ما ينبغي التوقّف عنده، في المضمون، هو الرسالة التي بعثها بخاري، بالنسبة إلى الموقف الفرنسي، لناحية الكشف عن أن الرئيس إيمانويل ماكرون أكد لبلاده أن لا نيّة فرنسية لتوجيه دعوة إلى نقاش الطائف أو تعديل الدستور، الأمر الذي ترى أنه يؤكّد أن لا مظلة دوليّة لأيّ بحث من هذا النوع، وبالتالي ليس هناك من خطر يستدعي هذا الإستنفار.

أما في الشكل، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ غالبية القوى المسيحيّة، خصوصاً "التيار الوطني الحر"، التي توجّه له الإتهامات بالسعي إلى تعديل هذا الإتفاق، كانت حاضرة في المؤتمر، ما يعني أنها تسلّم بهذه المظلّة، بغضّ النظر عن موقفها المبدئي منها، لكن في المقابل لم يكن بين المدعوين من يمكن الحديث عن أنه يمثل المكونين السني والشيعي بشكل جدي، الأمر الذي من المفترض أن يؤخذ بين الإعتبار من قبل الجانب السعودي قبل أي أمر آخر.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ الأساس فيما حصل يكمن بأنّ الرياض قد تكون، من خلال ما تقوم به، تحول الطائف إلى مادة سجال داخلي، سواء كانت تقصد ذلك أو لا تقصد، خصوصاً إذا ما بات بمثابة منصة يراد منها مواجهة بعض الأفرقاء المحليين، الأمر الذي سيترتب عليه تداعيات تكون هي المتضرر الأول منها، إلا إذا كان الهدف هو دفع "حزب الله" إلى الإنجرار إلى ذلك، بهدف الإيحاء بأنه خارج عن الإجماع الوطني حول الإتفاق، الأمر الذي لم يذهب إليه حتى الآن، بالرغم من الإنتقادات التي يوجهها إلى الحراك السعودي.