عندما طرح الوزير السابق وئام وهاب منذ اشهر بعيدة اسم النائب السابق إميل رحمه مرشحا لرئاسة الجمهورية، وعندما لم يسعَ الاخير لدى "حزب الله" لتقديم ترشيحه للانتخابات النيابية الاخيرة، وعندما انهالت عليه اتصالات كثيرة من محيط الثنائي الشيعي مشجّعة، في وقت كانت زياراته الاسبوعية إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولقاءاته المتكررة مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل معلنة، تكون انطباع لدى غير مراقب أن ترشيحه جاد، ويمكن البناء عليه.

ولكن كيف يمكن اعتبار ترشيح إميل رحمه مغايرا لـ"بالونات" الاختبار التي تطلق بين الحين والآخر حول هذا الاسم او ذاك؟ وما هي الحيثية التي يعتمد إليها؟.

اولا: يقول عارفو رحمه انه ليس شخصا تصادميا، ولا منغلقا، ويؤمن بالحوار، ولا يذهب بعيدا في المكاسرة مع من يخالفه الرأي والمنطق والموقع. وهو يتصرف بفروسيّة حيال خصومه، فلا يطلق رصاصة الرحمة على رؤوسهم، عندما يحاصرون سياسيا، أو يحشرون في الزاوية، ويزين الأصدقاء والحلفاء والخصوم بميزان الصيدلاني، ولا يبخس أحدا حقه.

ثانيا: للدلالة على ذلك يمكن ايراد العديد من الامثلة، ومنها انه بعد اعتزال رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العمل السياسي ومغادرته لبنان، وتكاثر الحديث عن تهميش الطائفة السنية، بادر رحمه إلى زيارة المفتي عبد اللطيف دريان واعلان تعاطفه مع الحريري، وتأكيده على محورية هذه الطائفة ودورها التأسيسي في قيام الدولة اللبنانية، ورفض اي محاولة تهميش لأيّ مكون لبناني. كما بادر إلى زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في ذروة تأزم علاقاته مع الرئيس عون والتيار الوطني الحر. كذلك، فإن علاقاته مع امين عام تيار المستقبل احمد الحريري مميزة ولافتة.

اما على المستوى الدرزي، فإن علاقته مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط جيدة، وينقل عن هذا الأخير تقديره للياقة رحمه واحترامه للمرجعيّة الدرزية، موردا غير مثل ودليل على ذلك. كما أن علاقته بسائر الاطراف الدرزية مميزة، ومبنيّة على الصداقة والاحترام.

ما من سياسي، أو مسؤول إداري وامني الا ويردّ على اتصالات رحمه الذي يحبّ خدمة الناس وتسيير امورهم، شرط ألا يكون ذلك على حساب القانون، لأنّ ثقافته الحقوقيّة التي يتشبث بها تمنعه من ذلك.

ثالثا: إن رصيد إميل رحمه لدى المسيحيين، ليس هامشيا بعكس ما يوحي به البعض. للرجل علاقات واسعة قائمة على الأرض مع قواعد الاحزاب المسيحيّة منذ كان على مقاعد الدراسة الجامعيّة، وعضوا شبه دائم منتخبا بثقة زملائه بمجلس فرع كليّة الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، وامينا للشؤون الداخلية في الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، واحد قادة حركة الوعي-القوة الجامعية اللبنانية التي كانت تضم مصالح الطلاب في أحزاب الكتائب اللبنانية، الوطنيين الاحرار، الكتلة الوطنية، والتجمعات الطالبية المناطقية المتحدرة من المناطق المسيحية النائية والدائرة في فلك الزعامات التقليدية. هذا المناخ الوطني العام، والجو المسيحي الواسع المروحة، مكّنه من بناء علاقات واسعة لا تزال قائمة لليوم ولم يشبها انقطاع أو نفور، بل عمل على تنميتها. ومعظم من كان معهم في تلك الفترة احتل مراكز متقدمة في الدولة أو في حزبه، أو أصبح وزيرا ونائبا. وهو واياهم على تواصل دائم .

وإن علاقته بالتيار الوطني الحر، لم تفسد علاقته مع " تيار المرده" ورئيسه واركانه، وهو كان عضوا في تكتل التيار النيابي، وسعى بقوة، وبقدر ما أوتي له من قدرة على الإقناع وتقريب المسافات، من إسقاط الحواجز بين النائب جبران باسيل والوزير السابق سليمان فرنجيه، لكنه لم يوفق. ويجزم متابعون ان رحمه، لا استنادا الى معلومات، بل إلى معرفتهم بطبيعة الرجل التصالحيّة وايمانه بضرورة وحدة الصف والكلمة.

بقي ان العداء الأكبر الذي يواجهه في الوسط المسيحي هو من حزب القوات اللبنانية، وتحديدا من رئيسه سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا. وبات واضحا أنهما حاولا اغتياله معنويا وسياسيا بشتى الوسائل، غير ملتفتين إلى التضحيات التي قدّمها طوعا ومجّانا في الدفاع عن جعجع نفسه والقوات عندما القي القبض عليه وجرى حلّ الحزب، واعتبراه "عنصرا مزعجا" حقّق لنفسه نجوميّة، قد تكون عاملا يدفعه لبناء نفوذ وحيثيّة داخل بيئة القوّات، فكان القرار بالابعاد والشيطنة. في حين أن القاعدة القواتية، أو الاصح نسبة مرتفعة من هذه القاعدة، تكنّ له المودّة لأنّه مؤتمن على أسرار ومعلومات ومعطيات، يرفض البوح بها احتراما لتاريخه.

إنطلاقا مما تقدم، فإن طرح النائب السابق إميل رحمه لم ينطلق من عدم ،لأنّه يرتكز إلى قاعدة صلبة ولا تنطبق عليه قاعدة "شب واستحلى". وفيه تتوافر شروط مرشح اللاتحدّي، التوافقي، العارف باسرار ومفاتيح التركيبة اللبنانية المعقدة. فهل يمكن أن يكون هو الاسم الذي يحظى بتوافق التيار الوطني الحر وتيار المرده، وبركة الثنائي الشيعي، فيحمله رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى وليد جنبلاط، ومنه إلى كل معنيّ بالاستحقاق الرئاسي في الداخل والخارج، ليكون المرشّح الأوفر حظا الذي سيعيد رفع العلم على سارية قصر بعبدا؟.