إسمُهُ يُخيفُ... لأنَّه يَكشِفُ الحُجُبَ عَن مَكامِنَ اللاعَدالَةِ، وأبرَزُها مَحو العَقلِ وَتفريغَ الوَعي. أأقولُ أنَّهُ تَنظِيمٌ لِلوجودِ، يَفتَقِدُهُ كُلَّما فَقَدَهُ آخَرٌ؟

أجَل! الى هَذا الحَدِّ ​لبنان​ لَبنانِيٌّ: مِن دونه لا شَيءَ مِمَّا بِهِ تُكَوَّنُ الحَقُّيقَةُ، بَل إستِعبادٌ به يَصيرُ أيُّ أنا قُبالَةَ أيِّ آخَرَ عَبداً لِعَبدٍ مُستَعبَد. وَهذا كافٍ لِوجوبِ أن يَكونَ لبنان. ولو لم يَكُن لَوُجِبَ إيجادَهُ ناموساً، لا فَرعاً تَتَضارَبُ بِهِ وَفيهِ وَحولَهُ فُروعُ عَبَثٍ.

أما قُلنا أنَّ لبنان فِعلُ تَجَسُّدٍ؟ مِن هنا فإنَّ كُلَّ الصِراعِ عَلَيهِ هوَ لِمَحوِ أيِّ قُدرَةِ تَجَسُّدٍ في العَالَمِ، فَتَبقى تَركيباتُ إندِحارٍ غَيرَ مُهَيَأةٍ لإيمانٍ، شأنَها شأنَ أيِّ زاحِفٍ يَستَقي مِن أعاميقِ زَحفِهِ مُصطَلَحاتٍ وَهمِيَّةٍ لِلعُبورِ نَحوَ... الزَوالِ. فَبِأيِّ حَقٍّ يُريدُ مِنِّي هَؤلاءِ الزاحِفونَ صَوبي، وَقَد ألغوا حَتَّى إسميَ مِن شِفاهِهِم، أن أقبَلَ بِهِم، أو أُصَفِّقَ لِكَلامِهِم؟

عَبَثاً يُحاوِلُ هَؤلاءِ، مِن أحبارِ دينٍ أو مُتَوَهِّمي سَلبَطَةٍ، البَحثَ في مُنتَدَياتِ التَكاذُبِ والتَحايا المُنَمَّقَةِ عَن بَديلٍ لِلبنانَ-التَنظيمِ-الحُرِيَّةِ، أو خَليفَةٍ لَهُ أو إصطِلاحٍ، وَقَد أقصوا إسمَهُ عَمداً، مُستَنبِطينَ مِن خُيَلائِهِم مَساحاتِ إغواءٍ مِن رِمالٍ، على إمتِدادِ كُثبانِ الأزَماتِ مِنَ الخَليجِ الى كازاخِستانِ وَما بَينَهُما، وَما بَعدَهُما.

هَذا كُلُّهُ مَحضُ سَرابٍ أو إكتِفاءُ تَمَنٍّ، وَكِلاهُما غَيرُ عَيَّاشٍ إن لَم يَكُن مُنطَلَقُ قوَّتِهِ وَناجِزُ فِعلِهِ الدَيمومِيُّ لبنانَ، إذ لا السَرابُ فيهِ سُلطانُ الإختِبارِ وَلا التَمَنَّيَ فيهِ ريادَةُ الروحِ المُتَجَذِّرَةُ تُراثاً. وإسمُ لبنانَ وَقوَّتُهُ لَهُما إرتِباطٌ خاصٌّ بأرضٍ خاصَّةٍ، بِهِما يَكونُ أيُّ زَمانٍ وأيُّ مَكانٍ، أيّ كُلُّ المِعنى وَكامِلُهُ، لِمُطلَقِ مَكانٍ أو زَمانٍ يَتوقانِ أن يَكون لَهُما معنىً.

أجَل! لا مُطلَقَ لأَحَدٍ، مَهما بَلَغَ في مَساحاتِ المَكانِ وَبالَغَ في إستِلحاقِ الزَمانِ مِن دونِ خاصِيَّةِ لبنانَ.

اجَل! لا عُروَةَ لأحَدٍ في مُحاوَرَةِ الآخَرِ: دُولاً وَشُعوباً وَدياناتٍ وَمَذاهِبَ وَمَصائِرَ، والإغتِناءَ بإختِلافاتِهِ والسَيرَ مَعَهُ نَحوَ... البَقاءِ مَعاً، مِن دونِ خُصوصِيَّةِ لبنانَ.

أجَل! لا أرضَ مِن دونِ لبنانَ السماءَ والارضَ مَعاً، الإسمَ والفِعلَ مَعاً. كُلُّ أرضٍ تَزولُ وَكُلُّ سَماء تَزولُ إلَّا لبنانَ لأنَّه المَحتومُ في المَصدَرِ، والمَختومُ في المُطلَقِ: المَنبَعُ والمُلتَقى. البَدءُ والنُهى.

حَسَنٌ أن يَتَشَبَّهوا بِهِ، وَلَكن هَيهاتِ لِلقَصدِ أن يَغدوَ فِعلَ إيمانٍ، وَللإصرارِ أن يَغدوَ إيمانَ فِعلٍ.

حَقِّي وَمَعاضِلُهُم

فَلتَسقُط أبوابُ مَعاضِلِهِم!.

أنا حَقِّيَ مُقَدَّسٌ أن أناضِلَ لِوَطَني وَعَنهُ و... بإسمِهِ. هَذا أمرٌ يَتَخَطَّاني. وجودُ وَطَني إرتِباطٌ لا إنفِصامَ فيهِ لأنَّ لبنانَ –فَلأُكَرِّرها– فِعلُ تَجَسُّدٍ.

أنا حقِّيَ مُقَدَّسٌ أن أُقيمَ وَطَني وإسمَهُ في كُلِّ مَقَلَبِ عَقلٍ وَمُنقَلَبِ إيمانٍ. ولإصراريَ ما يُبَرِّرُهُ: إصرارُكُمُ على إلزامي إعتبارَكُم أنتُمُ الأصلُ، وانا أعَدتُموني الى التُرابِ الذي أنا مِنهُ.

أنا حَقِّيَ مُقَدَّسٌ أن يَكونَ وَلائي لِوَطَنٍ إسمُهُ وَلاءُ الحَقيقَةِ لِلحَقِّ، فَلا هوَ مُستَقرِضٌ مِنكُمُ حُدوداً خَريطِيَّةً، وَلا شاحِذاً فَريضَةَ تَعاطُفٍ، وَلا مُستَبكِياً مَراسِمَ عَزاءٍ مِن عَدمٍ عَديمٍ.

وَحَقِّي هوَ وَعيٌ لا مُجَرَّدَ دِفاعٍ فَحَسب، فأنا لَستُ بِعادِيٍّ: إنِّي طَليعَةُ الإنسانِيَّةِ التي تَعقِلُ أنَّها عاقِلَةٌ، وَتؤمِنُ أنَّها مؤمِنَةٌ... في صَميمِ الصَميمِ بَينَ الأقصى والأدنى، فَوقَ المِعنى والغايَةِ.

فَيا كُلَّ هَؤلاءِ، أحبارَ دينٍ أو مُتَوَهِّمي سَلبَطَةٍ: إسمُهُ لبنان! وَهوَ... كَفاكُم.