بدأت الأوساط السياسية تتحسّب للتداعيات المترتبة على حسن تسيير المرافق العامة في لبنان إذا تجاوز الشغور في موقع رئاسة الجمهورية الخطوط الحمر واستمر إلى أمد طويل، لما سيكون له من انعكاسات ترفع منسوب انحلال ما تبقّى من الإدارات والمؤسسات على قيد الحياة، وتحديداً تلك المعنية بالشأنين الأمني والمالي، وهذا ما يدفع بحكومة تصريف الأعمال للبحث في حلول مؤقتة لملء الفراغ في ضوء إحالة اقتراح مشروع القانون الذي يحمل صفة المعجّل والمكرّر الذي تقدّم به نواب "اللقاء الديمقراطي" والرامي للتمديد للمديرين العامّين، إلى اللجان النيابية المشتركة لدراسته.

وفي هذا السياق، علمت "الشرق الأوسط" أن إعادة النصاب إلى المجلس العسكري في الجيش اللبناني وُضعت على نار حامية بإحالة رئيس الأركان العامة في الجيش اللواء أمين العرم على التقاعد قريباً، ولاحقاً زميليه مدير الإدارة في المؤسسة العسكرية اللواء مالك شمص، والمفتش العام اللواء ميلاد إسحق، وجميع هؤلاء أعضاء فيه، ويتم بقرار يصدر عن مجلس الوزراء الذي لن ينعقد في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال.

وكشف مصدر وزاري بأن هناك إمكانية لملء الفراغ في المجلس العسكري الذي يتشكل من 5 أعضاء برتبة لواء، إضافة إلى رئيسه قائد الجيش العماد جوزف عون، ولا ينعقد إلا في حضور خمسة من أعضائه، ويتخذ قراراته بأكثرية أعضائه، وفي حال تساوت الأصوات يبقى صوت العماد جوزيف عون هو المرجّح.

واكد المصدر إنه يمكن لوزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال العميد المتقاعد موريس سليم أن يأخذ المبادرة لتفادي الشغور في المجلس العسكري بإصدار قرار يقضي بتأجيل تسريح الضباط الثلاثة من الخدمة العسكرية إلى حين تسمح الظروف بتعيين مجلس الوزراء من يخلفهم، ولفت إلى أن الوزير في هذه الحال يستعين بسوابق في هذا الخصوص نص عليها قانون الدفاع الوطني، كانت آخرها السابقة التي اعتمدها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع آنذاك الراحل فايز غصن بتأجيل تسريح قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، ومدير المخابرات العميد إدمون فاضل.

وكشف المصدر الوزاري بأن قرار تأجيل تسريحهم هو بيد الوزير سليم المحسوب على رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، ورأى بأنه لن يتردّد في إصدار قرار بتأجيل تسريحهم؛ حرصاً منه على سير العمل داخل المؤسسة العسكرية في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان، ودور الجيش إلى جانب القوى الأمنية في الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار العام، باعتبار أنه يشكل صمام الأمان لمنع تدهور الوضع الأمني على غرار التدهور الذي أصاب الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية بغياب الحد الأدنى من الحلول.

وأكد بأن انتظام المؤسسة العسكرية يستدعي تأمين النصاب في المجلس العسكري، خصوصاً أن المجتمع الدولي يُجمع على توفير الدعم لها إلى جانب القوى الأمنية الأخرى؛ كونها تشكل الاحتياط المطلوب لمنع انهيار الدولة ريثما يصار إلى إخراج البلد من أزمته السياسية، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية لإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية، وبالتالي فهناك ضرورة لقطع الطريق على شل المجلس العسكري بسبب تعذّر انعقاده بإحالة ثلاثة من أعضائه إلى التقاعد.

ويعود للمجلس العسكري اتخاذ القرار من خلال مديرية الإدارة في الجيش بكل ما يتعلّق بالتلزيمات وبالمصاريف المالية، سواء المتعلقة بتأمين التغذية للعسكريين أو بتوفير الاحتياجات من صحية وطبية ولوجيستية، إضافة إلى دوره في تعيين رئيس المحكمة العسكرية وترقية الضباط من رتبة رائد وما فوق، وتعيين قادة الألوية والوحدات وقيادات المناطق وإصدار التشكيلات العسكرية، وفتح باب التطوّع لتلامذة المدرسة الحربية.

لذلك فإن الضرورات تبيح المحظورات، مع أن قانون الدفاع يجيز لوزير الدفاع إصدار قرارات بتأجيل تسريح الضباط، وهذا ما سيحصل حكماً ولن يلقى اعتراضاً من هذا الفريق أو ذاك، طالما أن جميع الأطراف تُجمع على الإشادة بدور العماد عون وقادة الأجهزة الأمنية الأخرى.

وبالنسبة إلى استمرار الشغور الرئاسي إلى أمد مديد، فإن حكومة تصريف الأعمال تقف أمام استحقاق تعيين خلف للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يحال إلى التقاعد في آذار المقبل؛ لبلوغه السن القانونية، ولا يبدو حتى الساعة أن اختيار من يخلفه في متناول اليد؛ لأن التعيين يعود إلى مجلس الوزراء شرط أن يكون كامل الأوصاف، إلا إذا تبنّت اللجان النيابية المشتركة اقتراح القانون المعجّل المقدّم من نواب "اللقاء الديمقراطي"، برئاسة النائب تيمور جنبلاط، وإحالته إلى الهيئة العامة في البرلمان لإقراره في جلسة تأتي في سياق تشريع الضرورة الذي لا يزال موضع خلاف بين الكتل النيابية على إعطاء الأولوية لانتخاب الرئيس، رغم أن للواء إبراهيم دوراً يتجاوز الداخل إلى الخارج لما لديه من شبكة علاقات عربية ودولية.

أما بخصوص مصرف لبنان فإن استمرار الشغور إلى ما بعد تموز المقبل، وهو الموعد المحدد لانتهاء ولاية حاكم البنك المركزي رياض سلامة، فإنه لا مجال للتمديد له، وبالتالي سينوب عنه نائبه الأول وسيم منصوري الذي يرأس المجلس المركزي بغياب أي ممثل للموارنة، لأن مدير عام وزارة المال بالوكالة جورج معراوي (ماروني) لا يحق له حضور اجتماعاته؛ لأنه يشغل منصبه بالوكالة بالنيابة عن المدير العام الأصيل، وهو ماروني كان أُحيل للتقاعد، وهذا ما يشكّل سابقة.

فهل يصار إلى تجاوز الخلل بإنهاء الشغور الرئاسي قبل تموز المقبل لما للمجلس المركزي من دور في الإدارة المالية للبلد؟ وماذا ستكون ردة الفعل المارونية إذا استمر إلى أمد طويل؟