على الرغم من الضجة التي أحدثها "تسريب" مواقف رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​، من العاصمة الفرنسية باريس، لم تحمل هذه المواقف، من الناحية العملية، أي جديد فيما يتعلق بمقاربته للإستحقاق الرئاسي، خصوصاً بالنسبة إلى إحتمال تبنيه ترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، فهو منذ أشهر يكرر وجهة نظره من دون أي تبديل.

في قراءة مصادر سياسية متابعة، نوعية الردود على مواقف باسيل هي التي تفتح الباب على السؤال عما إذا كانت أنهت إمكانية التوافق على تبني ترشيح فرنجية بين قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، ما يدفعها إلى التشديد على أن الكرة اليوم في ملعب "حزب الله"، الذي عليه أن يقرر ما إذا كان ممكنا السير في دعم رئيس تيار "المردة" من دون رضى باسيل، أم أنه سيسلم بمعادلة أن رئيس "التيار الوطني الحر" هو الممر الإلزامي إلى القصر الجمهوري، الأمر الذي كان قد تحدث عنه باسيل بشكل واضح في الأيام الماضية.

من وجهة نظر هذه المصادر، هناك الكثير من المؤشّرات التي ترجح أن يذهب الحزب إلى التسليم بهذه المعادلة، إنطلاقاً من صعوبة وصول فرنجيّة إلى رئاسة الجمهورية من دون دعم قوى مسيحيّة وازنة، الأمر الذي من الصعب أن يذهب إليه حزب "القوات اللبنانية"، أو أن يوافق الحزب على تجاوز "التيار الوطني الحر" في هذا الإستحقاق، بسبب التداعيات التي قد تنسحب على العلاقة بين الجانبين.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، قد يستمر الحزب بالسعي إلى تقريب وجهات النظر بين حلفائه، لا سيما أنه من المستبعد أن يصدر عنه أي تعليق حول ما حصل أول من سجالات، طالما أنه يجد أن فرص نجاحه في ذلك لا تزال متاحة، مع العلم أن كل فريق منهم يسعى إلى إستمالة الحزب إلى جانبه بشكل كامل، عبر الحديث عن أن الآخر هو المسؤول عما وصلت إليه الأمور.

على صعيد متصل، لدى مصادر معنيّة في قوى الثامن من آذار قناعة بأن ما حصل قد يعجل من عملية حسم الأمور رئاسياً، إنطلاقاً من معادلتين أساسيتين: الأولى هي أن الحزب لن يكون في وارد التخلي عن أي من حلفائه، لا سيما "حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، أما الثانية فهي عدم قدرته على تكرار ما حصل مع عون، لناحية الدخول في فراغ طويل بإنتظار تسليم الآخرين بإنتخابه.

من هنا، ترى هذه المصادر أنه طالما الأمور مقفلة أمام فرنجية، الأمر الذي ينطبق أيضاً على باسيل، فإن البحث من الناحية العملية من المفترض أن ينتقل إلى ما يمكن تسميته بالـ"plan b"، أي البحث عن شخصية أخرى تنطبق عليها المواصفات، التي كان قد تحدث عنها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، وتكون قادرة على أن تمثل نقطة تلاقٍ بين حلفائه، بشرط أن تمتع بالمواصفات التي تؤهلها إلى الحصول على دعم أو عدم معارضة الأفرقاء الآخرين من خارج هذا التحالف، بسبب الحاجة إلى تأمين أكثريتين: 65 نائباً على الأقل للإنتخاب و86 نائباً لتأمين إنعقاد الجلسة.

في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أنّ بقاء الأمور على ما هي عليه، لا سيما على مستوى العلاقة بين حلفاء "حزب الله"، من المفترض أن يفتح الباب جدياً أمام البحث في الطروحات البديلة، تحديداً مع بداية العام الجديد إن لم يكن قبل ذلك، خصوصاً أن الإستمرار بالورقة البيضاء بات أمراً محرجاً، سواء كان ذلك أمام الرأي العام المحلي أو أمام القوى الدولية المؤثرة التي تتابع ما يحصل على الساحة المحلية.