"كيف بدنا نأمّن تدفئة"... هذا هو الشغل الشاغل للبنانيين حالياً، فتكلفة ​المازوت​ أصبحت مرتفعة جداً وعلى "​الدولار​"، بينما الرواتب لا تزال أقلّ بكثير، وبالتالي كيف سيؤمّن الذين يقطنون المناطق المرتفعة المبالغ الباهظة المطلوبة وما هي الحلول البديلة؟.

في بلدة قرطاضة، التي ترتفع بضعة أمتار عن سطح البحر وتبعد فعلياً 20 دقيقة عن بيروت، يسكن رامي الذي شيّد مع أقارب له مبنى "على ذوقه": مولّد للكهرباء، تدفئة على ​الغاز​. لم يكن يشعر رامي بثقل هذه الأمور جميعها إلى أن أتت الأزمة وأصبحت ​المحروقات​ وتحديداً المازوت والغاز على سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وفي حساب بسيط لاستعمال الغاز في منزله أيام البرد القارس في الشتاء، سيضطر إلى دفع قيمة 700 دولار ثمنا له، لتدفئة منزل حوالي 250 متراً مربعاً وهو فعلياً تكلفة الغاز لمنزله دون باقي المبنى، وهو حالياً يسعى للبحث عن خيارات بديلة، لأنّ التكلفة باتت فوق المستطاع، وربّما لا يقوم بتدفئة المنزل بالكامل.

أبعد من ذلك، وإذا ارتفعنا أكثر عن سطح البحر، أي إلى مناطق جبليّة وحيث الإمكانيات المادّية أقلّ، يشرح سامي، الذي يقطن في منطقة المشرّع المتنية، أن مادة المازوت كانت، وحتى السنة الماضية، هي الأساس التي تستعمل للتدفئة. ويشير إلى أنه يضطر إلى تعبئة برميل لديه سعته 200 ليتر (10 صفائح مازوت) أربعة مرّات في فصل الشتاء، ما يعني أنه يحتاج إلى حوالي 1200 دولار، وهذا المبلغ من الصعب تأمينه حالياً، من هنا لجأ إلى الاستعاضة عن "الصوبيا" على المازوت بالحطب.

في منطقة درعون-حريصا، قرّر أمين السكن في منزل له في بيروت، لتوفير تكلفة التدفئة في الشتاء. ويشير إلى أنه "يستهلك في هذا الفصل ما بين 4 و5 طن مازوت للتدفئة، كلفة الطن 1060 دولار، ما يعني أنه يحتاج إلى أكثر من 5 آلاف دولار للتدفئة، بينما هو حالياً لا يعمل".

في الاجمال، هذه هي حال أغلب سكان لبنان في فصل الشتاء، ويبدو أن إتجاه الناس وخصوصا سكان الجبال سيكون إلى استعمال الحطب عوضاً عن المازوت، ولكن المفارقة أن تكلفة طنّ الحطب تصل إلى حوالي 250 دولارا، ويحتاج الشخص ما بين 5 و6 طنّ شتاء، أي أن القيمة هي نفسها ما بين المازوت والحطب... ما يعني عدم لجوء القسم الأكبر من المواطنين إلى شراء الحطب بل إلى قطع الأشجار.

هذا في الظاهر أما في المضمون، فأمام هذا المشهد يتراءى إلى الانسان القصص القديمة التي سمعها عن تداعيات البرد القارس، وحتماً لم يعد بامكان الدولة أن تضبط عمليّة قطع الاشجاء لأنّ اللبناني سيلجأ الى هذا الخيار لاستعمال الحطب للتدفئة في فصل الشتاء.