يحز في قلوبنا كلبنانيين، ان تمر ذكرى الاستقلال عندنا مرور الكرام، بينما تشكل محطة اساسية ومهمة جداً في كل دول العالم. تقفل الادارات العامة والوزارات والمؤسسات الرسمية والمؤسسات التربوية ابوابها في هذا العيد، وهو الامر الوحيد الذي يختصر كل الاجواء الاستقلالية، فحتى الشعب لم يعد يعنيه الموضوع وواصل ممارسة حياته اليومية المعتادة فتفتحت الاسواق ابوابها امام الجميع، وحتى المؤسسات الخاصة بات معظمها يمارس دواماً عادياً.

فقد الجميعالاهتمام بالاستقلال وبذكراه،والسبب بسيط وهو ان اللبنانيين اضاعوا استقلالهم، وهم يسيرون منذ 79 سنة على طريق البحث عنه، ولكن كلما تقدموا في المسيرة، بعُد عنهم الاستقلال اكثر فأكثر. البحث مستمر عن هذا الهدف المنشود في المجالات كافة، فمن الناحية السياسية ليس سراً ان الاستقلال مفقود وهو يدور في عواصم الخارج، وتعطى الفتافيت للداخل فلا قرار يمكن ان يصدر من لبنان في قضية تتعلق بالاجراءات والاستحقاقات اللبنانية من دون انتظار الضوء الاخضر الخارجي، ولعل ابرز مثال يمكن ان يعطى، هو الانتخابات النيابية والرئاسية والمسرحيات الخفيفة التي ترافقها قبل ان تنجلي الصورة عن غبار التسويات المفروضة. في وقت تستمر التبعية العمياء للزعيم والمسؤول السياسي، من دون القدرةعلى الابتعاد عنه وعن افكاره وتصرفاته التي اثبتت، على مدى سنوات عدة، فشلها في مقاربة الاوضاع كما يجب ونقل لبنان من ضفة الى اخرى.

ومن الناحية الامنيّة، وعلى الرغم من التضحيات الجسيمة التي يقدمها الجيش اللبناني والقوىالامنية وبطولات العناصر التي تسجّل، الا ان الاستقلال مفقود ايضاً في هذا المجال، بدليل تحريك الخلايا الارهابيّة عندما يناسب الوضع القوى الخارجية، وقطع الطريق على اي سلاح نوعي يمكن ان يعطى للجيش وتمنينه ببعض الاسلحة القديمة الطراز التي لم تعد الجيوش تستعملها، فلا يعتمد سوى على نخوة وبسالة ضباطه وجنوده كي يحدث الفارق المطلوب لارساء الامن والاستقرار.

ومن الناحية المالية والاقتصادية، غني عن القول ان الاستقلالية معدومة، والازمة الاخيرة كافية لتقديم كل الادلة اللازمة لدعم هذا الامر، فحتى الولايات المتحدة لا تعتمد على الدولار كمثل اعتماد لبنان عليه، وكل الدراسات والعلوم الاقتصادية تسقط في لبنان على اعتاب مصالح البعض. فعندما ينخفض سعر الدولار او يرتفع في الاسواق العالمية، لا ينعكس الامر بشكل فوري على الشعب الاميركي، اما في لبنان فانخفاضه وارتفاعه في الاسواق اللبنانية وبشكل غير مفهوم ومنفصل تماماً عن الدراسات المالية، يحمل معه الكوارث والويلات للشعب اللبناني.

ومن الناحية المعيشية، يبعد المفهوم الاستقلالي عن اللبناني الذي يعجز عن التوجه الى الانفتاح على مختلف دول العالم للتعاطي معها في مشاريع الطاقة والانتاجية والاستيراد والتصدير، ويفضّل التخبط في مشاكله وازماته، على ان يبحث عن مصدر آخر لتأمين احتياجاته بما يرضي مصالحه وليس مصالح من يرغبون في اذلاله...

كل هذا الكلام لا يعني ان الدول المجاورة لنا افضل منا على ص​عيد الاستقلال​، ولكنها بالتأكيد تملك نسبة اعلى بكثير من نسبة اللبنانيين في الاستقلالية، وهذا يعود اما الى عدم تعددية الطوائف فيها، او الى استقرارها من الناحية المالية والاقتصادية، او الى اعتمادها كلياً على دولة واحدة عظمى تسيّرامورها وتواكب احتياجاتها... وللحقيقة، فإن اللبنانيين لم يتعطشوا مرة الى الاستقلال الا عندما كانوا تحت الانتدابين العثماني والفرنسي فقط، بعدها لم يكن هناك من عطش لنيل الاستقلال حتى خلال الوصاية السورية التي كانت تملك تفويضاً دولياً بذلك. فهل المطلوب العودة الى مثل هذين الاحتلالين كي نعود الى المعنى الحقيقي للاستقلال ونقترب منه كما يجب ان يحصل؟.طوني