لفتت صحيفة "الأخبار" إلى أنّ "في ظلّ استمرار الأزمة السياسية، وتعطل كل محاولات انتخاب رئيس جديد في وقت قريب، واستمرار العمل الحكومي وفق قاعدة "غب الطلب"، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، كان من الطبيعي أن يدرك الناس، قبل الحكام، أن واحدة من النتائج الاجتماعية الخطيرة لهذه الفوضى في إدارة البلاد، هو ارتفاع معدلات الجريمة على اختلاف أنواعها".

وأشارت إلى أنّه "إذا كان هناك من يسعى إلى ترتيب جديد لأولويات مكافحة الفساد، بأن يختار الأسهل والأصغر حجماً من عاملين في القطاع العام أو من مؤسسات خاصة، واستمرار التغطية على السارقين الكبار الذين نهبوا البلاد منذ عقود ولا يزالون، فإن الخطير في الأمر، محاولة فرض أمر واقع على صعيد إدارة مكافحة الجريمة في البلاد كما هي حال الأمر الواقع المفروض على الجميع في كيفية إدارة الوضع المالي والنقدي".

وركّزت الصحيفة على أنّه "يبدو أنه مع تجربة الحاكم العرفي (حاكم مصرف لبنان) رياض سلامة التي تغري كثيرين في الدولة، وحال التفلت التي يعيشها القضاء اللبناني نتيجة الانحياز الفاضح لرئيس مجلس القضاء الأعلى من جهة، ووقف ملاحقة الفساد في الجسم القضائي، والنزيف الحاصل بسبب الأزمة المادية، فإن بدعة برزت في الفترة الأخيرة تمثلت في مذكرة أصدرها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، يبيح فيها لعناصر قطعاته التصرف وفق قواعد لا تبقي الضابطة العدلية خاضعة بصورة تامة لإشراف القضاء المختص، وخصوصاً النيابات العامة".

وأوضحت أن "مذكرة عثمان تعني عملياً، أن قادة وضباط ورتباء وعناصر وحدات قوى الأمن الداخلي المنتشرة على الأرض، أو العاملة في إطار مكافحة المخالفات العامة، يمكنهم القيام بدورهم من دون رقابة قضائية مسبقة أو مواكبة لاحقة، لأن فكرة التصرف بحالات التوقيف والحجز وإطلاق السراح تصبح رهن ما يراه الضابط العامل على الأرض، بينما هي في الأصل وظيفة محصورة بالنائب العام قبل انتقال أي ملف إلى الجهات القضائية الأخرى حيث الادعاء والتحقيق والظن والإحالة إلى المحكمة".

كما بيّنت أنّ "ما صدر عن مدير قوى الأمن الداخلي، الذي يستند إلى حجة اعتكاف القضاة، يفرض على من تبقى من مسؤولين، خصوصاً مؤسسة المجلس النيابي، المبادرة إلى خطوات تمنع أخذ لبنان إلى حالة الأحكام العرفية، التي ربما ليس بين المسؤولين عندنا من لا يعرف أن مثل هذه الأحكام تقود إلى الحكم الذاتي؛ قبل أن تقود إلى الانفجار الكبير الذي لا يتحمله لبنان".

مزرعة عماد عثمان: توقيف من دون إشارة قضائية!

شدّدت "الأخبار" على أنّ "مظاهر انحلال الدولة "تُزهر" يوماً بعد يوم. وآخرها هرطقة قانونيّة ابتدعها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، بما يحوّل البلد دولة بوليسية. دخل عثمان من "خُرم" الاعتكاف القضائي، لاعتبار القضاء بُحكم المُغيّب، فأصدر مذكّرة داخليّة تعطي القطعات الأمنيّة السلطة الكاملة لتنفّذ مهام الضابطة العدليّة عند تعذّر الاتصال بالنيابات العامة أو تمنّعها عن إعطاء إشارة قضائية".

وشرحت أنّ "الخطير في الأمر، أن عثمان حوّل القوانين المرعيّة الإجراء إلى "أوراق خرطوش". لم يكتفِ بعدم الالتزام بها، وإنّما حض ضباطه وعسكرييه على خرقها وارتكاب جريمة يُعاقب عليها القانون، ومن دون أي رادع، وهو في كل ذلك تمكّن من الاستحصال على غطاء من وزير الدّاخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، وهو -بالمناسبة- قاضٍ!".

وأكّدت مصادر وزارة الداخلية، للصحيفة، أنّ "مذكّرة عثمان صدرت بعلم مولوي وبموافقة النيابة العامّة التمييزية، وتتعلّق بتعليمات مُعطاة للضبّاط بأمور معيّنة، باعتبار أنّ القوى الأمنية تقوم بمهام الضابطة الإدارية والعدليّة معاً".

ولفتت "الأخبار" إلى أنّ "هكذا، "أفتى" عثمان لنفسه بتحويل الدولة إلى دولة بوليسيّة يكون هو رئيسها، وأهدى رجاله من ضباط وعسكريين سلطةً مُطلقة باحتجاز الحريّات بطريقة غير قانونيّة".

في هذا السّياق، رأى الخبير القانوني والنّائب السّابق غسّان مخيبر، أنّ "هذه المذكّرة مخالفة قانونيّة خطيرة، إذ لا يسع مساعد الضابطة العدليّة في حال تمنّع الضابطة العدلية عن إعطاء إشارة، اتخاذ أي قرار لأنّ المساعد يعمل تحت إشراف الضابطة العدلية التي تتحمّل مسؤولية عدم اتخاذ القرار المُناسب، وليس المساعدون الذين لا يُمكنهم أصلاً اتخاذ قرار الاحتجاز، لأنّ القانون يُعطي القاضي مسؤوليّة التحقيق، أمّا القطعات الأمنية فهي تعمل كمساعد".

وذكّر بـ"المادة 48 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أنّه إذا خالف الضابط العدلي الأصول المتعلقة باحتجاز المدعى عليه أو المشتبه فيه، يتعرض للملاحقة بجريمة حجز الحرية المنصوص والمعاقب عليها في المادة 367 من قانون العقوبات، بالإضافة إلى العقوبة المسلكية سواء كانت الجريمة مشهودة أم غير مشهودة".

وعليه، اعتبر مخيبر أنّ "مذكّرة عثمان هي حضّ للعسكريين على ارتكاب جريمة من نوع الجناية وعقوبتها الأشغال الشاقة"، لافتاً إلى أن "عثمان حاول التذاكي من خلال اجتزاء القانون واختيار ما يُلائمه منه، إذ إنّه ذكر مثلاً المادة 41، ولكنّه اقتطع منها حقوق الشخص المشتبه فيه الذي يجب أن يدلي بأقواله بإرادةٍ ذاتية حرّة، ومن دون استعمال أي وجه من وجوه الإكراه ضدّه، وإذا التزم الصمت فلا يجوز إكراهه في الكلام".

وبيّن أنّه "كان على عثمان عدم إغفال تذكير مساعدي الضابطة العدليّة باحترام حقوق المشتبه فيهم الواردة في المادة 47"، مضيفًا: "نحن أكثر من أي وقت سابق داخل عصفوريّة قانونيّة".

هل تقنع باريس الرياض بضرورة الحوار مع حزب الله؟

أكّدت مصادر متابعة للملف الرئاسي، لـ"الأخبار"، أنّ "الفراغ طويل... طويل، رغم "حماوة" الاتصالات الفرنسية ومحاولات باريس، ومن خلفها واشنطن والرياض وبعض من في الداخل، التوصل إلى "مرشح تسوية" اسمه جوزف عون (قائد الجيش)". وأفاد الصحيفة بأنّ "هذا ما تشي به الحركة الفرنسية، وإن كانت باريس لا تزال - حتى الآن - تحرص على إشاعة أجواء بأنها إلى جانب حثها الجميع على إجراء الانتخابات سريعاً، لا تضع فيتو على أي مرشح يتوافق عليه اللبنانيون بمن في ذلك رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أو... جوزف عون".

وذكرت، بحسب أجواء توافرت لها، أنّ "جهداً فرنسياً يجري مع الرياض، لإقناعها باستحالة تجاوز "حزب الله" في الملف الرئاسي، وبحتمية التفاوض معه في أي "تسوية" مفترضة تريدها السعودية، حتى ولو كانت تتمحور حول قائد الجيش. وباريس الحريصة على أجواء الاستقرار، ربطاً بالالتزامات التي قطعتها في اتفاق الترسيم ببدء "توتال" أعمال التنقيب في البلوكات اللبنانية، تدرك جيداً دور الحزب وعنصر الاستقرار الذي يشكّله".