يا شعب لبنان المتألم، يبدو أنه من الضروري ومن المُلحْ الإعتماد على أنفسنا لأنّ الأمور العامة في البلاد معّقدة للغاية ويستحيل فكِّ عقدها مع تلك السلطة الفاسدة والمُفسدة، والتي تمتهن مهنة "الدعارة السياسية"... الإعتماد على أنفسنا ليس فقط إعتقاد بأننا نستطيع معالجة هذه الأمور المتراكمة وتحقيق النجاح في ممارسة العمل السياسي النبيل، إنه أكثر من ذلك، إنه حقًا إمتلاك الشجاعة للقول لهؤلاء روحيين وزمنيين إنكم فاشلون ولا جدوى من خطبكم ومشاريعكم وما هي إلاّ مضيعة للوقت وضياع الوطن.

يا شعب لبنان المتألم، الحالة السياسية القائمة في البلاد أدّتْ إلى تداخل وتشابُك التدخلات الخارجية مع الداخل والخارج، ولم يَعُدْ بمقدور أي مواطن أن يحقِّق طموحاته وراحته ورفاهيته مهما كانت وظائفه ورواتبه... لا بل أبعد من ذلك، أصبحنا اليوم في لبنان مع منظومة تحكم بشبكة دعارة سياسية وإتفاقيات ثنائية فيما بين العصابات الحاكمة، زادت من السيطرة على كل مفاصل الدولة. بالتأكيد هناك تفاوت في درجة إعتماد هذه العصابات على بعضها البعض، فهناك عصابة سياسية أقوى من أُخرى تُشاركها الحرام السياسي... والعصابة القوية سياسيًا، إقتصاديًا وماليًا يكون إعتمادها أقوى في كل المجالات الإستراتيجية التي تمّكنُها من السيطرة على كل مفاصل القرار، وعلى الأقل بالقضايا المصيرية التي تؤثر على الأمن القومي وأقصد الإستحقاق الرئاسي وما يليه من إستحقاقات هذا إنْ حصل وفقًا لإستراتيجية هذه العصابة السياسية.

يا شعب لبنان المتألم، إنّ الإعتماد على الذات ونبذ الخلافات هما هدف إستراتيجي وهذه حقيقة موضوعية لا خلاف عليها، فالشعب الذي يعتمد على غيره ليس مستقلاً في قراره، وهو مضطّر ليس فقط للوقوف إلى جانب مموّليه أو رؤسائه على الخير والشر وإنتهاز كل فرصة لإثبات ولائه، بل لتقديم خدمات إستراتيجية لهم، ودعــوني أذكِّرْ بما حصل مع العهد السابق حيث كان طائعًا ومطواعًا أمام مُشغلّيه الذين أوصلوه إلى سدّة المسؤولية، وبالتالي ظهر فشله فشلاً ذريعًا حتى إنه لم يَحْكُمْ بل إنحكم بالعصا الغليظة دون أنْ يُحرِّكَ جفنًا... وهنا أستطرد لأقول إنّ هذا العهد دار حول كيفية تحقيق الخدمات للعصابة السياسية ولمن يموّلها ويتبنّاها، وكان على أهبة الإستعداد لتقديم الثمن الذي لا بُـدّ منه، وها هو اليوم يصول ويجول حاملاً مسوّدة عقد لإعادة تسليم لبنان وفق شروط تُملى عليه ويكتفي هو بالبصم عليها .

يا شعب لبنان المتألم، أطّل علينا بالأمس مسؤول لبناني طالبًا منّا "التضحية"، ولن يعترض أحد على قوله في حشد نيابي، متناسين أنّ التضحية هي من واجبات المسؤول... إنّ الإعتماد على الآخر في حالتنا اللبنانية يتجلّى في سدّ عجز سياسي ومالي وأمني عن طريق المساعدات أو ما يُعرف بالـ"شحادة" والتي غالبًا لا تأتي إلاّ بشروط صريحة وضمنية، والإعتماد على الآخر مع هؤلاء الساسة يتجلى في البحث عن المال عن طريق الإقتراض، الذي يُرتِّبْ مديونيّة علينا حيث لن يطول الزمن قبل أن تتراكم وترتفع كلفة خدمته من أقساط وفوائد ندفعها نحن.

يا شعب لبنان المتألم، يحضُرني قول لأحد مستشاريّ حيث قرأتُ ما وضعه على مكتبه "تدمير أي أمّة لا يحتاج إلى قنابل نووية او صواريخ بعيدة المدى، ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم والسماح للطلبة بالغش، يموت المريض على يد طبيب نجح بالغش، وتنهار البيوت على يد مهندس نجح بالغش، ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش، وتموت الإنسانية على يد رجلي دين و​سياسة​ نجحا بالغش وإستفاضا، ويضيع العدل على يد قاضٍ نجح بالغش، ويتفشّى الجهل في عقول الأبناء على يد معلّم نجح بالغش"...

يا شعب لبنان المتألم، هِمَمُنا وسواعدنا هي المنقذة، فلا تخافوا من الحرية ولا تخافوا من التغيير، ولا تخافوا من الإنفتاح، ولا تخافوا من المواجهة، ولا تخافوا من النقد الذاتي، ولا تخافوا من قول الحق، ولا تخافوا من إقتحام المستقبل، ولا تخافوا من مواجهة الصعوبات والضلال والإنحـراف، إلتزمـوا من دون أن تستزلِموا... باشروا .

الدكتور جيلبير المجبِّرْ