جاء في صحيفة "الأخبار"، أنّه عملياً، «طارت» جلسة مجلس الوزراء التي دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال المستقيلة نجيب ميقاتي اليوم. وإذا لم تؤدّ الضغوط والاتصالات الكثيفة التي تواصلت حتى ساعة متأخرة من ليل أمس إلى صدور بيان عن ميقاتي صباح اليوم يعلن تأجيل الجلسة لعدم تكبير المشكل، فإن إعلان تسعة وزراء أمس (عبد الله بوحبيب، هنري خوري، موريس سليم، أمين سلام، هكتور حجار، وليد فياض، وليد نصار، جورج بوشيكيان وعصام شرف الدين) يفقدها نصابها الدستوري ما يحول دون انعقادها، في حال بقاء الوزراء التسعة على موقفهم.

إلا أن الدعوة، على أيّ حال، أثارت عاصفة خلطت أوراق التحالفات السياسية. وإذا كان من بين أهدافها محاولة لعزل التيار الوطني الحرّ ورئيسه النائب جبران باسيل، فإنها أتت للأخير بمثابة «رمية من غير رامٍ» بعدما أثارت «نقزة» مسيحية أحرجت خصوم التيار من المسيحيين، وأدّت إلى «التفاف إلزامي» حول باسيل، حارمة ميقاتي ومعه الرئيس نبيه بري من غطاء ميثاقي صريح للدعوة.

وكان لافتاً في هذا السياق موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي رأى أن «حكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس، لا حكومة جداول أعمال الأحزاب والكتل السياسية»، متمنّياً على رئيس الحكومة «أن يصوّب الأمور لأن البلاد في غنى عن فتح سجالات طائفية، وخلق إشكالات جديدة، وتعريض الأمن للاهتزاز، وعن صراع بين المؤسسات». وسأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة: «عوض عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، ومع ضرورة معالجة الأمور الضرورية، أليس الأجدى الاستعجال في انتخاب رئيس وتسيير شؤون الناس؟». فيما رأى عضو كتلة القوات اللبنانية جورج عقيص أنّ «الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء بجدول أعمال فضفاض شكّلت خطأ فادحاً، وأن تقليص بنود جدول الأعمال الى 25 يخفّف من وطأة الخطأ من دون أن يلغيه، إذ لا تزال بعض البنود المدرجة خاليةً من العجلة المبررة لإدراجها، علماً أننا لا نزال مصرّين على أن أي بند مستعجل يستحسن إقراره بموجب مراسيم جوّالة لا في إطار اجتماع لحكومة لا يمكنها الاجتماع أساساً بحكم الدستور والقانون، إلا ضمن ضوابط ضيقة وفي حالات استثنائية صرفة». ورأى رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في بيان لمكتبه الإعلامي أن «ميقاتي كشف عن الأسباب الحقيقية التي جعلته يمتنع عن تأليف الحكومة، وهي محاولة الاستئثار بالسلطة وفرض إرادته على اللبنانيين خلافاً لأحكام الدستور والأعراف والميثاقية».

هكذا، نجح ميقاتي في جمع الأضداد المسيحيين ما أدّى إلى خلق مناخ ضاغط أمّن انسحاب غالبية الوزراء المسيحيين، رغم تراجع رئيس الحكومة، بعد جولة مشاورات أجراها حزب الله معه ومع باسيل، عن جدول الأعمال الفضفاض حاذفاً نحو 40 بنداً منه، محاولاً دوزنة خطواته بينَ قطع الطريق على محاولات كسر باسيل والإصرار على جلسة «اضطرارية» لإمرار ملفات مُحقّة كالإفراج عن مستحقات المستشفيات والاعتمادات المخصصة لمرضى السرطان وغسل الكلى. إلا أن محاولاته اصطدمت برفض باسيل أيّ نقاش حول الجلسة، إذ قال لكل من سأله إنه «يرفض مبدأ البحث حتى… ونقطة على السطر».

وبمعزل عن انعقاد الجلسة اليوم أو فرط نصابها، فقد تركت الدعوة ندوباً ستفاقم الأزمة السياسية ببعدها الطائفي وخاصة مع ارتفاع منسوب الشعور السلبي لدى القوى المسيحية، فضلاً عن تعزيز أزمة الثقة بين فريق حلفاء المقاومة وهو ما سيكون له تأثيره السلبي الإضافي على مشاورات الانتخابات الرئاسية.

ميقاتي استعجل المشكل وتقصّد افتعاله لعزل التيار الوطني الحر وتكريس نفسه الحاكم الفعلي

وفي هذا السياق، قالت مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» إن «رئيس حكومة تصريف أعمال مستقيلة لا يستند في هذه الدعوة إلى قوته، علماً أننا اتفقنا بعد دخول الفراغ الرئاسي على أن أي جلسة لن تعقد إلا للأمور الطارئة والملحة وبحضور كل الوزراء، أو على الأقل كل المكونات الأساسية. ولا يمكن أن يتعامل نجيب ميقاتي معنا بهذه الطريقة، فيما حزب الله يتفرج». وأكّدت المصادر أن «هذه ليست مسألة عابرة في العلاقة بين التيار وحزب الله. تفاهمنا قائم على أمور استراتيجية وهذا الأمر بالنسبة إلينا هو كالسلاح بالنسبة إلى الحزب. وجودنا ودورنا هما سلاحنا ولن نسمح لأحد بالمسّ بهما».

مصادر في قوى 8 آذار رأت أن رئيس الحكومة «استعجل المشكل وتقصّد افتعاله ظناً أنه بعقد جلسة يستطيع عزل التيار الوطني الحر وتكريس نفسه الحاكم الفعلي للبلاد، علماً أنه كان بإمكانه عقد جلسة بالتي هي أحسن لو التزم بالاتفاق الذي تم في مجلس النواب، بعد الاتفاق على البنود الطارئة على جدول أعمالها، أو من خلال تدابير أخرى كالمراسيم الجوالة، أو عبر إجراءات يتخذها مصرف لبنان ووزارة المالية لحل مشكلتَي وزارة الصحة وأوجيرو على سبيل المثال».

أوساط معارضة تتساءل عن خلفيات الدعوة الى مجلس الوزراء

تساءلت أوساط معارضة عبر «الجمهورية»، عن خلفيات الدعوة الى مجلس الوزراء «يعرف أصحابها سلفاً انّ وزراء «التيار الوطني الحر» سيقاطعونها، وانّ القوى المسيحية المعارضة سترفضها من منطلق انّ الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية وليس لممارسة تنفيذية وتشريعية توحي انّ عجلة الدولة تسير بنحو طبيعي من دون رئيسها».

وقالت هذه المصادر: «انّ إعادة تعديل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لجدول الأعمال دليل الى انّه كان يحاول إمرار الجلسة مع بنود عادية، وعندما اصطدم بمعارضة لهذه الجلسة عدّل في جدول أعمالها، الأمر الذي كان في استطاعته تلافيه منذ اللحظة الأولى، ومن الخطأ مقاربة الانقسام الذي أحدثته الدعوة إن من زاوية طائفية، أو من زاوية الخلاف بين ميقاتي و»التيار الوطني الحر»، فيما الإشكالية الحقيقية والفعلية مبدئية وتتعلّق بانتظام عمل الدولة بنحو طبيعي وكأنّ لا شغور رئاسياً، وهذا السلوك يطيل أمد هذا الشغور».

وشدّدت المصادر المعارضة على «ضرورة الابتعاد عن المنحى الطائفي، كون الأزمة الوطنية والمالية في لبنان ليست من طبيعة طائفية. كما ضرورة مقاربة إشكاليتي الاجتماع الحكومي الضروري وتشريع الضرورة من زاوية محض دستورية، وهي انّ السير بهذا التوجّه يعني التسليم بتعطيل الانتخابات الرئاسية، فيما تعليق العمل الحكومي والتشريعي يشكّل مادة ضغط على الكتل النيابية من أجل الإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، بهدف إعادة الانتظام لدورة الحياة الدستورية والسياسية».

ورأت المصادر «انّ ما حصل إبان الشغور الرئاسي السابق بين عامي 2014 و 2016 كان خطأ كبيراً، كون الحكومة تولّت صلاحيات رئيس الجمهورية وتحوّل كل وزير فيها رئيساً للجمهورية، وكانت اجتماعاتها دورية، وكأنّ لا شغور ولا من يحزنون، ولكن عندما لا تلتئم الحكومة إطلاقاً في غياب رئيس الجمهورية سوى في حالات من قبيل وقوع حرب او كوارث، وعندما يمتنع مجلس النواب عن التشريع كونه هيئة ناخبة لا تشريعية في غياب رئيس الجمهورية، تُصبح كل القوى السياسية تحت ضغط الانتخابات الرئاسية».

ورفضت المصادر «تقزيم المشكلة إلى خلاف بين ميقاتي ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ووضعها في سياق تصفية حسابات سياسية متبادلة»، كذلك رفضت «تطييفها بأنّها مشكلة سنّية مارونية او شيعية مارونية، فيما الإشكالية الفعلية ليست سياسية ولا طائفية، إنما دستورية لجهة عدم جواز الانتظام الدستوري في ظلّ غياب عمود فقري أساسي هو رئاسة الجمهورية، وعدا عن انّ الانتظام في غياب الرئاسة الأولى يعطي انطباعاً بأنّ هذه الرئاسة لزوم ما لا يلزم، فإنّه يشكّل غطاءً للفريق الذي يمنع انتخاب رئيس الجمهورية».

شرطان لازمان لأي انعقاد للحكومة

قالت مصادر في «التيار الوطني الحر» لـ «الجمهورية»، انّ هناك قراءة دستورية وقانونية تحول دون التجاوب مع دعوة رئيس الحكومة إلى جلسة اليوم. واتهمت المصادر ميقاتي بـ»التخبّط ومخالفة الدستور في اكثر من خطوة، بعدما أجرى تعديلات على جدول اعمال الجلسة ثلاث مرات في اقل من أيام معدودة». وقالت: «يزداد تخبّط رئيس حكومة تصريف الأعمال مع كل خطوة يُقدم عليها، ومعها يزداد التوتر الذي بات سمة حاكِمة لديه». واضافت: «لم يتردّد ميقاتي في القول انّ الجدول الأول كان يشمل 318 بنداً، ثم خُفّضت بنود الجدول الثاني الى 64 بعد اعتراض قوى سياسية، منها من هو قريب منه لم يحتمل فضيحة البنود الفضفاضة التي تفتقد بغالبيتها العظمى صفة الطارئ والعاجل. واحتوى الثالث على 25 بنداً، جلّها بنود لا تمسّ حياة اللبنانيين خلافاً لمزاعم ميقاتي وفريقه».

وانتهت المصادر إلى التأكيد «انّ الجدول الاخير جرى توزيعه ليل السبت بما يخالف مهلة الـ48 ساعة الواجبة على رئاسة مجلس الوزراء إبلاغ الوزراء بمواضيع البحث. بذلك يكون ميقاتي قد زاد على انتهاكاته الكثيرة للدستور، انتهاكاً جديداً، عبر مخالفة المرسوم الرقم 2552 - تنظيم أعمال مجلس الوزراء، لا سيما المادة 4 التي تنصّ على: «يضع رئيس مجلس الوزراء جدول الاعمال وفق الأصول المحدّدة في الدستور ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي تتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستُبحث وتُرسل نسخ عنه إلى رئاسة الجمهورية وإلى جميع الوزراء، وذلك قبل أسبوع على الأقل لتاريخ مناقشتها بالنسبة لمشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية».

كما يقتضي ان تُرفق بمشاريع القوانين جداول مقارنة تبيّن النص الحالي والنص المقترح والأسباب الموجبة الداعية للتعديل. غير أنّه يمكن بعد موافقة مجلس الوزراء مناقشة مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية في الجلسة من دون التقيّد بمهلة الاسبوع المذكورة، قبل يومين على الاقل لمناقشتها لسائر المواضيع».

وختمت المصادر: «انّ ميقاتي خالف الاتفاق الذي انتهت إليه جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية بعد مغادرته قصر بعبدا بثلاثة ايام، والذي «وضع شرطين لازمين لأي انعقاد للحكومة الميتة دستورياً: الضرورة القصوى وتوافق الجميع». وهو ما افتقدته دعوته، لعدم وجود أي ضرورة في بنود جدول الأعمال وفقدان الإجماع المطلوب على عقدها».