جاء في صحيفة "الأخبار"، أنّ الغضب الذي ساد التيار الوطني الحر بعد انعقاد جلسة الحكومة أول من أمس، تمظهر أمس في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس التيار جبران باسيل أمس، ورفع فيه سقف التحديات خصوصاً للعلاقة مع حزب الله، ولو أنه تجنّب تسمية الحزب مباشرة في كل حديثه. علماً أن باسيل الذي ركز على الدور السلبي لرئيس حكومة الحكومة نجيب ميقاتي، ألمح إلى خيارات تصعيدية في مواجهة «الذين يريدون النيل من دورنا»، واضعاً الدفاع عن «الدور» بالنسبة إلى التيار في مرتبة استراتيجية مماثلة لأهمية الدفاع عن «السلاح» بالنسبة إلى المقاومة.

صحيح أن كل الأطراف تصرّفت مع انعقاد الجلسة على أنها ضربة لباسيل، إلا أن خصوم الحزب والتيار لم يُظهرا حماسة كبيرة للعب بينهما. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اعتصم بالصمت باعتبار أن المشكلة ليست معه، فيما نقل زوار عن الرئيس نبيه بري أمس أن الوضع قابل للاحتواء، داعياً إلى الهدوء وعدم الانجرار إلى السجالات، ومتوقعاً أن يعمل حزب الله على صيانة تفاهمه مع باسيل والتيار الوطني الحر. فيما يبدو أن الحزب لن يكون في وارد الدخول في أي سجالات مفضلاً انتظار أن تبرد الأجواء قليلاً قبل أن تبدأ محاولات رأب الصدع على قاعدة استمرار التفاهم بين الطرفين. وفي هذا السياق عمّم حزب الله على مناصريه عدم التفاعل مع اي سجال مع أنصار التيار، فيما طلبت قيادة التيار من مناصريها وقف اي كلام استفزازي او توجيه اهانات الى الحزب وقيادته.

رغم ذلك، بات من نافل القول أن ما بعد جلسة الحكومة لن يكون كما قبلها، وأن باسيل سيردّ على «جبهات» عدة، وسيجعل من عقد الجلسة فرصة لتأكيد أن أحداً لا يمكنه تجاوز التيار الوطني الحر كمكون مسيحي رئيسي. وهو ما بدأ بالفعل. إذ إن الأجواء التي أعقبت الجلسة تشير إلى أن عقد أي جلسة مقبلة للحكومة لن يكون أمراً سهلاً بعد الآن أياً تكن الاعتبارات «الملحّة» التي قد توجب عقدها، خصوصاً بعدما رفع الأمر إلى مرتبة «السطو على موقع ​رئاسة الجمهورية​ عن سابق إصرار وتصميم»، وهو ما لا يمكن لأي طرف مسيحي «ابتلاعه». وإضافة إلى بدء البحث في آلية للطعن في قرارات الحكومة أول من أمس، فإن الردّ الأساس سيكون في المجلس النيابي، عقر دار خصمه الرئيسي نبيه بري، مع انضمام التيار إلى قوس المعارضة المسيحية لتشريع الضرورة بما يعطّل فعلياً عمل المجلس، ويؤكد أن التيار رقم صعب قادر على تعطيل العمل الحكومي والنيابي متى أراد ذلك. أضف إلى ذلك، فقد كان باسيل واضحاً في إشارته إلى الخروج من خيار الورقة البيضاء في انتخابات رئاسة الجمهورية، والتلويح بـ«التصلّب» في الموضوع الرئاسي، ما يشير إلى احتمال أن يعلن، في خطوة معينة، رفضه النهائي لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الأمر الذي سينعكس مزيداً من التعقيد في علاقته مع حزب الله ومع بقية الأطراف. وفي هذا السياق، يتوقع أن يكون للتيار الوطني الحر موقف جديد، بالتشاور مع البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد عودته من روما، ربطاً باللقاءات التي أجراها باسيل مع الفرنسيين والقطريين ومسؤولين أميركيين في الأسابيع الماضية، حيث لم يعط أي تعهد بالسير بمرشح هؤلاء قائد الجيش العماد جوزيف عون، مشيراً إلى أنه وضع نفسه خارج السباق شرط أن يخرج الآخرون أيضاً، في إشارة إلى عون وفرنجية وأي مرشح مباشر لفريق القوات. وبالتالي قد يطلق التيار الوطني الحر جولة مباحثات لاختيار اسم يمكن أن يلقى قبولاً واسعاً عند المسيحيين أولاً، واحتمال حصوله على قبول لدى أطراف بارزة من المسلمين.

فورة غضب "برتقالية" على "الحزب"

كشف مصدر سياسي رفيع لـ"الجمهورية" ان "سبب المشكلة الكبيرة التي افتعلها جبران باسيل في مجلس الوزراء وما بعدها هو تبلّغه ان "حزب الله" يفكر جدياً في الانتقال من الورقة البيضاء في انتخابات رئاسة الجمهورية الى اسم سليمان فرنجية، فجاء الرد في مجلس الوزراء عبر الطرد المفخّخ الذي كاد ان يحول الجلسة شرارة فتنة طائفية من خلال الكباش القوي بين الوزير هيكتور الحجار ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ليقول باسيل للجميع: انا هنا… ولا يمكن إمرار تسوية من فوقي، فصَبّ كل غضبه على ميقاتي بالمباشر وعلى الحزب مواربة باستخدام بعض الصفات للدلالة عليهما من دون تسميتهما "سَمّى الجيرة وسَمّى الحي ولولا شوي سَمّاني". واشار المصدر الى ان "حزب الله" اعطى توجيهاته لكل اعضائه، وزراء ونواباً: "لا تصعيد ولا رد، لكن سياسة التمايز في العمل الحكومي والاستحقاق الرئاسي مستمرة".

الى ذلك، وبينما ارتفعت اصوات في اوساط "التيار" تتساءل عن جدوى استمرار "تفاهم مار مخايل" بعد مشاركة "الحزب" في جلسة حكومة تصريف الأعمال التي اعتبرها باسيل "إعداماً للدستور وسَطواً على موقع رئاسة الجمهورية"، استبعدت اوساط خبيرة في طبيعة العلاقة بين الجانبين ان تؤدي الازمة المستجدة الى انهيار كامل للتحالف وإن كانت قد وَضعته أمام محك صعب وربما علّقت مفاعيله الى حين.

وقالت هذه الاوساط لـ"الجمهورية" انّ "الحزب كان يدرك في الأساس انّ موقفه بالمشاركة في اجتماع مجلس الوزراء سيترك أصداء سلبية في ميرنا الشالوحي، والأرجح انه لن ينزلق الى سجال علني مع "التيار" وسينتظر ان تهدأ فورة الغضب البرتقالي لاستئناف الحوار ومحاولة إعادة تفعيل التحالف الذي يعرف الحزب قيمته الاستراتيجية والوطنية".

ولفتت الاوساط الى انّ "الحزب سيحاول تفادي التفريط بوثيقة تفاهم مار مخايل، خصوصاً انه يعرف ان خصوماً داخليين وخارجيين كانوا ولا يزالون منزعجين منها، أما التيار فسيسعى الى اخضاع التفاهم لـ"نفضة" تحت طائلة "الانتفاضة" عليه".

وفيما لم يصدر عن "حزب الله" اي تعليق على باسيل، إلّا انّ مصادر مطلعة على موقفه اكدت لـ"الجمهورية" انه "يتفهّم تصعيد باسيل الناتج من انزعاجه مما حصل"، وقالت ان "الحزب لن يرد او يعلّق على ما قاله بل على العكس إن ارادته هي العمل على التهدئة لأنّ مصلحة الطرفين تقضي باستمرار التحالف بينهما".

ولفتت هذه المصادر الى انّ "أنصار «"التيار الوطني الحر" هاجموا الحزب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان ردّه ان طلب من جمهوره عدم الرد بالمِثل عبر هذه الوسائل".

واعتبرت "انّ ما حصل هو "وَجع رأس"، لكنّ "حزب الله" ملتزم بالتحالف مع "التيار"، وهو كان قد ابلغ الى باسيل قبل جلسة مجلس الوزراء انّ وزيريه سيحضرانها وان ليس في هذا الحضور اي استهداف له، ولكن الحزب استغرب الحملة التي شنّت عليه مع العلم انّ موقفه من الجلسة يُماثِل الموقف الذي اعلنه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذى غَطّى فيه هذه الجلسة".

وسألت المصادر نفسها: "لماذا يحمّل باسيل "حزب الله" المسؤولية عما حصل ولا يحمّلها لميقاتي الذي دعا الى الجلسة؟ كذلك لماذا يحمّل المسؤولية لحليفه الارمني الذي بحضوره هذه الجلسة أمّنَ النصاب لانعقادها؟". كذلك استغربت "عودة باسيل الى العام 2005 وحديثه عن القتل والنفي والسجن"، واعتبرت ان "هذا الكلام لا معنى له ولا داعٍ".

والى ذلك سألت مصادر مطلعة عبر "الجمهورية" الى اين يريد باسيل الوصول من هذا التصعيد؟ وأوردت في هذا الصدد ثلاثة احتمالات اسئلة هي:

اولاً - هل هو منزعج من تبنّي حلفائه ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الى هذا الحد في ضوء مطالبتهم الملحاحَة له بالسير في هذا الترشيح الذي يكرر الاعلان عن رفضه له؟

ثانياً - هل يريد باسيل الوصول الى تبنّي ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون او الذهاب الى طرح مرشح آخر لرئاسة الجمهورية من التوافق مع حلفائه؟

ثالثاً - هل يمكن ان يرتّب باسيل لصفقة ما في ضوء توسيطه قطر لدى الاميركيين لرفع العقوبات عنه يمكن ان تؤدي به الى الخروج من تحالفه مع "حزب الله"؟

تقارب مواقف "القوات" و"الوطني الحر" يثير حفيظة حلفائهما

توقفت الأوساط السياسية أمام تقارب موقف التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية من انعقاد جلسة مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي من دون أن يلتقيا، مع أنهما تجاوزا السجال حول دستورية الجلسة إلى الاستحقاق الرئاسي بذريعة أن الأولوية يجب أن تكون لانتخاب رئيس للجمهورية، رغم أنهما على تباين في مقاربتهما لأسباب تعطيل جلسات الانتخاب، وهذا ما فتح الباب أمام تشتُّت المواقف داخل الحلف الواحد الذي لم يقتصر على تصاعد الخلاف بين «الوطني الحر» والثنائي الشيعي، وإنما انسحب على العلاقة بين قوى المعارضة المتمسكة بدعم ترشيح النائب ميشال معوض للرئاسة.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر في المعارضة بأن أطرافاً رئيسة فيها سعت للتمعُّن في أسباب رفض «القوات اللبنانية» انعقاد جلسة مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي بذريعة أنها ليست دستورية وصولاً إلى تناغمها في موقفها ولو عن بعد مع رئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل، خصوصاً أن نوابه انتهزوا فرصة انعقاد الجلسة للدخول في تصفية حسابات مع زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، وتقديمه على أنه مرشح «الثنائي الشيعي» لرئاسة الجمهورية من دون تحييد قائد الجيش العماد جوزيف عون من حملاتهم السياسية تحت عنوان عدم إلمامه بالوضع السياسي.

وكشفت المصادر في المعارضة عن أن موقف «القوات» الرافض لانعقاد جلسة مجلس الوزراء استدعى تحرُّكاً من قبل بعض حلفائه ظل بعيداً عن الأضواء، في مسعى للوقوف على الأسباب التي أملت عليه التناغم مع موقف باسيل الرافض لانعقادها، ولفتت إلى أنهم سجّلوا ملاحظة على انخراط حليفهم في موقف موحّد جمعه و«التيار الوطني».

وأكدت أنها سجلت اعتراضاً على التقارب بين حزب «القوات» وباسيل لجهة أنه لم يكن مضطراً ليخوض معركة خصمه اللدود حتى لو كان بهدف شد العصب المسيحي في مواجهة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي؛ لأن الرابح في نهاية المعركة سيكون باسيل حصراً، مع أن هذا لم يتحقق، فيما سيرتد عليه كل ما يترتب من سلبيات، خصوصاً أن المواجهة كادت تتسم بطابع طائفي، وقالت إن عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب ملحم رياشي كان محور الاتصالات التي تلقاها من قيادات وأطراف في المعارضة.

ورأت المصادر نفسها أنه من غير الجائز التعايش ولو مرحلياً بين حزب «القوات» الذي لم يتخلّف يوماً عن المشاركة في الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، و«التيار الوطني» الشريك في تعطيل الدورات الثانية من الانتخاب بتطييره النصاب المطلوب الذي يؤمّن انعقادها، وقالت إن همّ «التيار الوطني» هو جر البلد إلى مزيد من التعطيل، وهذا ما يفسر تعاطيه السلبي من خلال ضمان حصوله على الثلث المعطّل بخلاف موقف حزب «القوات».

وإذ استبعدت مصادر المعارضة أن ينعكس التباين داخل جبهة المعارضة حول انعقاد مجلس الوزراء بشكل سلبي على تمسكها بدعم ترشيح النائب معوّض، قالت في المقابل بأن بعض النواب المستقلين ممن يدورون في فلكها هم أقرب إلى الموقف الذي لا يحبّذ التناغم الطارئ والموقّت بين «القوات» و«التيار الوطني».

وفي المقابل، فإن تشرذم المعارضة في موقفها من انعقاد مجلس الوزراء يبقى أكثر حضوراً داخل محور الممانعة في ضوء الحملة المنظّمة التي قادها «التيار الوطني» ضد الثنائي الشيعي وصولاً إلى مطالبة عدد من نوابه بضرورة إعادة النظر في «تفاهم مار مخايل» المعقود بين أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله ومؤسس «التيار الوطني» رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في فبراير (شباط) 2006، وقبل سنوات من انتخابه رئيساً للجمهورية.

فـ«التيار الوطني» ذهب بعيداً في حملته على الثنائي الشيعي، ومن خلاله على فرنجية، وصولاً إلى تمرير رسالة لحليفه «حزب الله» أن «التيار» هو الممر الإلزامي لانتخاب رئيس للجمهورية من دون أن يلقى أي رد فعل من الحزب، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي سجّلت هجوماً عونياً من العيار الثقيل ضد «حزب الله»، وصولاً إلى اتهامه بأنه لم يقف إلى جانبه في حملاته في مكافحة الفساد.