عندما تحدّث وزير الطاقة ​وليد فياض​ عن رفع سعر تعرفة الكهرباء، كان الأمر منطقياً، لأن السعر الذي كان موجوداً سابقاً لا يغطي تكاليف الإنتاج والصيانة، وكان من الطبيعي أن يخسر القطاع ولا يكون قادراً على الاستمرار، وكان من المنطقي أيضاً ربط زيادة التعرفة بحصول المواطنين على الكهرباء، وعلى هذا الأساس بُنيت المعادلة التالية: زيادة التعرفة تكون مترافقة مع ساعات تغذية لا تقل عن 8 ساعات يومياً، وهكذا بُنيت ​خطة الكهرباء​ الجديدة.

أُقر رفع التعرفة وبدأ سريانها منذ شهر تشرين الثاني الماضي، ولم تكن الكهرباء موجودة في المنازل، ولتبرير ذلك قالت الوزارة أن جباية الفواتير ستبدأ خلال شهر شباط المقبل، وبالتالي ستكون ساعات التغذية الـ8 مؤمّنة، بدءاً من منتصف كانون الأول الجاري، بعد إجراء مناقصات شراء ​الفيول​ لزوم تشغيل المعامل، ويومها بدأ البحث عن طريقة لتمويل المناقصات قبل أن تبدأ مؤسسة الكهرباء بالجباية وتحويل الأموال من الليرة الى الدولار عبر منصة صيرفة.

إذاً، شرط زيادة التعرفة كان رفع ساعات التغذية الى حدود 8 ساعات يومياً، وهذا الشرط كان أساسياً بحسب تصريحات كتل سياسية كبيرة أبرزها كتلة الوفاء للمقاومة وحزب الله، فنائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم كان واضحاً عندما قال في تشرين الأول: "قرأنا وسمعنا أنه توجد نيّة لدى ​وزارة الطاقة​ بأن تزيد التعرفة قبل زيادة ساعات التغذية، وهذا مخالف لآخر قرار حكومي حول الكهرباء، والّذي تحدّث عن إمكان إجراء تعديل التسعيرة عندما تعطي ​مؤسسة كهرباء لبنان​ من ثمانية إلى عشر ساعات، أما الآن مع عدم إضافة الساعات المطلوبة، فحزب الله يرفض رفضا قاطعا أي زيادة على تسعيرة الكهرباء، وهو يقبل بنقاش التسعيرة عندما تتجاوز ساعات التغذية الثمانية أو العشرة للمواطنين".

زادت التعرفة ولم ترتفع ساعات التغذية، فهل يكون لحزب الله موقفه بهذا الخصوص، وماذا عن باقي مكوّنات الحكومة، ألا يمكنهم تحديد موقفهم من المسألة لأجل جمهورهم الذي يهتف لأجلهم؟.

الجديد ليس فقط أنّ ساعات التغذية لم تصل الى 8، فالكلام الحكومي لم يتوقّف هنا، ووصل الى أن يتحدث وزير الطاقة، عن أن ساعات التغذية لن تصل الى 8، وهنا التشديد على "لن"، فهي لم ولن تصل الى 8، بحجّة المال، مع العلم أنّهم منذ البداية يقولون انّ الخطة ستة أشهر، بحوالي 600 مليون دولار، فلماذا لا تكون لثلاثة أشهر بـ300 مليون؟!.

يُشير فياض، الى أنّ "الزيادة بالتغذية الكهربائيّة ستكون تدريجيّة وربما لن تكون من 8 الى 10 ساعات في البداية، لأنّ مبلغ 600 مليون دولار يُؤمّن 8 ساعات تغذية كهربائية، ولكن ​​مصرف لبنان​​ كشف انّ المبلغ المتوفر هو النصف اي 300 مليون ما يعني 4 ساعات تغذية تقريبًا".

بحسب معلومات "النشرة" فإنّ الكتل السياسية التي كانت معارضة لزيادة التعرفة قبل رفع ساعات التغذية لن تتفرّج على الواقع الجديد كون مصداقيتها على المحكّ، وبالتالي سنشهد في الفترة المقبلة سجالاً جديداً حول الكهرباء، قد يُطيح بالخطّة بأكملها، ويُعيدنا الى نقطة البداية، علماً أنّ مصرف لبنان لا يملك أكثر من 300 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لاستثمارها في شراء الفيول.

بعيداً عن كل باقي ما قاله فيّاض عن الهبة الإيرانيّة التي يُعيقها خوف رئيس الحكومة مع الأميركيين، واستمرار الحصار الأميركي الكهربائي على لبنان، ما يهمّ اللبنانيين هو أن ما تمارسه هذه الحكومة من وعود كاذبة، لم يختلف عن السابق، وما كان سارياً في الحكومات طيلة العهود السابقة لا يزال حاضراً، وعود لا تُطبّق، وتأجيل تلو التأجيل والمواطن يدفع الثمن، وسيدفعه مضاعفاً هذه المرة، ففواتير تشرين الثاني ستكون بالحدّ الأدنى، بحال لم يصرف المواطن أيّ "كيلوات" من الكهرباء التي لا تظهر سوى نادراً، حوالي 250 ألف ليرة.