قبل أيّام من الجلسة الأخيرة لمجلس النّواب المخصّصة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، لهذا العام، الّتي ممكن أن تتحوّل إلى جلسة حوار في حال موافقة المكوّنات السّياسيّة والنيابيّة، أشارت مصادر سياسية لصحيفة "الجمهورية"، إلى أنّ "المشكلة الأساس ليست في إطلاق الحوار، وخصوصًا انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ومنذ ما قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، اكّد انّ المعبر الوحيد لانتخاب رئيس الجمهورية هو الحوار والتوافق، ولكنه اصطدم بالتناقضات. بل أنّ المشكلة قائمة حصراً في مكوّنات لا تثق ببعضها، وفي نزعة الإلغاء والتحكّم لدى البعض، وخصوصًا بين الكتل المسيحية".

وركّزت مصادر واسعة الإطلاع، لـ"الجمهورية"، على أنّ "حتى الآن، لا يمكن القول بوجود ضوء في آخر النفق الرئاسي، فما رافق جلسة الفشل التاسع من مواقف اعتراضية على استمرار هذا المسلسل، وصولًا الى حدّ اعتبار البعض انّ هذا الوضع بات يدفع إلى القرف والغثيان، لا يعني بالضرورة الاستعداد للتنازل والاستجابة لمنطق التوافق، ذلك أنّ غالبية الجهات ما زالت ثابتة في مربعات المكابرة والتعطيل، وخطابها تصعيدي في كل الاتجاهات، يهدّد بالويل والثبور وعظائم الامور".

واعتبرت أنّ "هذا المنحى يجعل مهمة بري في قيادة حوار رئاسي، شائكة ومحفوفة بصعوبات كبرى، فرئيس المجلس يسعى للاستثمار على هذه الفرصة المتاحة من الآن وحتى الخميس المقبل، لبلوغ حوار شرطه الأساس ليكون مجدياً ومنتجاً ومعبراً إلى التوافق على انتخاب رئيس، هو صفاء النيات وصدق التوجّه إلى انهاء الوضع الشاذ في رئاسة الجمهورية، وهو ما لم يُلمس بعد".

الحوار في المجلس

بيّنت مصادر موثوقة للصحيفة، أنّه "في حال رجحت كفة الايجابيات، بعد استمزاج بري آراء الكتل النيابية من الآن وحتى الخميس، بشأن عقد حوار مرتبط بالاستحقاق الرّئاسي، فهو سيبادر للدعوة الى الحوار بين الكتل النيابية المختلفة في مجلس النوّاب، وليس في مقرّ رئاسة المجلس النيابي في عين التينة".

وأكّدت أنّ الحوار في حال انعقاده، لن يكون مفتوحاً الى ما شاء الله، بل ان تُجنى ثمار صفاء النيات سريعاً، وضمن فترة لا تتجاوز بداية السنة الجديدة. ذلك انّ الوقت لا يلعب لمصلحة لبنان"، لافتةً الانتباه إلى أنّ "الأساس هو الذهاب الى حوار منتج وناجح، وليس الى حوار فاشل سلفاً، يتحول إلى مناسبة للمماحكات والعراضات السياسية والشعبوية، نتيجته الحتمية انسداد الأفق الداخلي بالكامل وكلفته باهظة يدفعها البلد".

وأوضحت المصادر أنّ "الحوار المرتقب يفترض ان يدور حول بند وحيد، هو رئاسة الجمهورية والاتفاق على رئيس. قد يرغب بعض الأفرقاء في طرح الحوار حول سلة متكاملة تطال رئيس الجمهورية وما بعدها، ولاسيما في ما خصّ الحكومة الجديدة، علماً انّ لهذا الامر ايجابية وسلبية في آن معاً".

وفسّرت أنّ "إيجابيته ستكون كبرى ان تمّ التوافق على سلة متكاملة، الّا انّ سلبية طرح هذا الامر تكمن في انّه قد يفتح باباً لا نهاية له، من شأنه أن يعطّل الهدف الأساس، اي التوافق على رئيس الجمهورية. المهم هو ان يتمّ الاتفاق على عقد الحوار لصياغة توافق، قبل الحديث عمّا اذا كان سيبقى محصوراً ببند وحيد او انّ بيكاره سيتوسّع اكثر من البحث بالبند الرئاسي".

إلى ذلك، وفي الطريق الى الخميس المقبل، أفادت مصادر مجلسية لـ"الجمهورية"، بأنّ "التحضيرات بدأت في اوساط رئيس المجلس، لإطلاق ورشة عمل مكثفة وفق جدول لقاءات مكثفة سيجريها بري مع الكتل النيابية والسياسية في الساعات المقبلة".

مرشحان ولا فيتوات

كشفت مصادر دبلوماسية من باريس لـ"الجمهورية"، أنّ "الملف الرئاسي اللبناني حاضر في النقاشات الجارية بين اصدقاء لبنان، وخصوصاً بين الاميركيين والفرنسيين، دون ان يعني ذلك جهوزية لاطلاق تحرّك رئاسي تجاه لبنان في المدى المنظور، وذلك في انتظار ما ستؤول اليه المشاورات بين اللبنانيين"، مشدّدةً على "أننا ننظر بإيجابية إلى المبادرات الحوارية الرامية الى تمكين اللبنانيين من اختيار رئيسهم".

وكرّرت التّاكيد أنّ "لا "فيتو" موضوعاً من قِبل أي من اصدقاء لبنان حيال أي شخصية مقترحة لرئاسة الجمهورية. نحن نسمع كما يسمع الكثيرون بأنّ مرشحين اساسيين يتصدّران القائمة، هما رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية وقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون".

وأشارت المصادر إلى أنّه "كما هو جلي، فإنّ اصدقاء لبنان لا يفاضلون بين اسم وآخر، وليسوا اصلاً في هذا التوجّه، بل انّ هذا الامر عائد للبنانيين دون غيرهم، والمجتمع الدولي وفي مقدمته واشنطن وباريس، يشكّل في نهاية الامر عاملاً مساعداً للبنانيين لا أكثر، ويحثّ على انتخاب سريع لرئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تلبّي تطلعات الشعب اللبناني بالإنقاذ وإجراء الاصلاحات".

أي رئيس لحكومة العهد الجديد؟

ذكرت "الجمهورية" أنّ "البحث الجاري في الداخل والخارج لا يقتصر على الاستحقاق الرئاسي فقط، وانما يتعداه إلى الاستحقاق الحكومي رئيساً وحكومة، اللذين سينطلق بهما عهد رئيس الجمهورية الجديد".

ونوّهت إلى أنّ "كلامًا كثيرًا يدور في بعض الاوساط المعنية وغير المعنية، عمّن سيكون رئيس اول حكومة في العهد الرئاسي الجديد، ومروحة الأسماء المتداولة ليست طويلة، وإن كان البعض يحاول تطويلها، ليصطدم المهتمون بهذا الشأن بحقيقة انّ رئيس الحكومة العتيد سيكون رهناً بطبيعة رئيس الجمهورية العتيد، لأنّ منطق التوافق يفرض احياناً الأخذ بمقولة "انّ الطيور على أشكالها تقع".

وركّزت على أنّ "منطق التوافق الذي قال به اتفاق الطائف، يفرض ان يكون رئيس الجمهورية مقبولاً لدى الجميع، بحيث يكون منسجماً او مقبولاً لدى كل المكونات الطائفية والسياسية، أي يكون حَكَماً ووسطياً، والامر نفسه يجب ان ينطبق على رئيس الحكومة العتيد. اما اذا أُريد أن يكون هذا التوافق على أساس قسمة المناصفة، فيكون رئيس الجمهورية من مناخ 8 آذار ورئيس الحكومة من مناخ المعارضة، او يكون العكس، رئيس الجمهورية من مناخ المعارضة ورئيس الحكومة من مناخ 8 آذار، ولكن هذه المعادلة الاخيرة لا تستقيم دستورياً، لأنّ رئيس الجمهورية لا ينبغي ان يكون جانبًا في اللعبة السياسية، وانما حَكَما بين اللاعبين، الّا انّها نادراً ما استقامت بالتمام والكمال مع كل رؤساء "الجمهورية الثانية" التي أطلقها الطائف".

ورأت الصحيفة أنّ "منطق التوافق في اختيار كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، لن يكون بعيداً عن العواصم الاقليمية والدولية المتعاطية الشأن اللبناني، وفي مقدّمها الرياض بما تمثل وبمن تمثل من مناخ خليجي وعربي، وباريس وواشنطن. إذ انّ هذا التوافق لن يحصل ما لم يلق مباركة هذه العواصم الثلاث، مشفوعة بمباركة عواصم اقليمية ودولية اخرى تتعاطى الشأن اللبناني ايضاً، فضلاً عن توافر المناخات الداخلية له".

وأوضح متتبعون لمجريات الاستحقاقات اللبنانية، انّ "صفقة الاستحقاق الرئاسي اللبناني الجاري تحضيرها، هي صفقة مزدوجة تضمّ رئيسي الجمهورية والحكومة. فمثلما يجري البحث عن رئيس الجمهورية الجديد يتمّ في الوقت نفسه البحث عن رئيس الحكومة الجديد، بحيث انّ الاتفاق عليهما سيسهّل لاحقاً تأليف الحكومة واكتمال عقد السلطة الجديدة، لتنطلق بقوة لوقف مسلسل الانهيار اللبناني على كل المستويات".