كان لافتاً ومهماً ما صدر عن الفرنسي ​تييري مارياني​ النائب في ​البرلمان الاوروبي​، الذي اطلق صرخة علنية حذّر فيها من مخاطر استمرار تواجد ​النازحين السوريين​ في لبنان، لجهة الحفاظ على هوية هذا البلد. واستعان مارياني بما عاينه خلال زيارته الى لبنان وما سمعه من اللبنانيين انفسهم حول هذا الوضع. الاهمية في هذا الكلام، انه يصدر للمرة الاولى بشكل علني وبهذه الواقعية، في محفل اوروبي مهم، ويعي وجهة نظر غربية مؤيدة لما ينادي به لبنان منذ سنوات. انه من دون شك، بصيص امل في نفق مظلم لناحية ما يضمره الخارج للبنان من زاوية النازحين السوريين، ويأتي بمثابة اعتراف اوروبي بأن المشكلة ليست محلية او اقليمية بل هي غربية تحديداً مع فشل اوروبا والغرب بإنجاح مساعيهما في سوريا، بعد تدخل قوي وفاعل من ​روسيا​ و​ايران​.

ولكن، بقدر ما يعطي هذا الاعتراف الاوروبي دفعة معنوية للبنان، بقدر ما يسود التشاؤم حيال الخطوات التي يمكن ان تتخذها اوروبا والغرب حيال النازحين، لأنّ التجارب علّمتنا انه ما لم تكن هناك مصلحة عليا للخارج، لن تجد المشاكل في لبنان حلاً لها، واليوم نرى ان دول العالم لا تأبه لما يشهده البلد طالما ان الامور "مضبوطة" على الصعيد الامني ولم تتخطَّ الحد الفاصل بين المعاناة والفوضى الشاملة، لانه متى تم تجاوز هذا الخط، سيهب العالم بأسره للمساعدة، ليس حباً بلبنان، بل مخافة ان تتفلت الامور ولم يعد هناك من قدرة على ضبطها، فتنفجر وينتقل شريط الانفجارات الى دول المنطقة واوروبا بشكل خاص التي لا قدرة لها على مواجهة مثل هذا التحدّي، في ظلّ هذا الوقت العصيب الذي تمر به القارة العجوز في خضم المواجهة مع روسيا بسبب الحرب في ​اوكرانيا​.

لذلك، لا يعوّل المتابعون للاحداث، على تغيير كبير في تعاطي الغرب مع ملفّ النازحين، فمسيرة الالف ميل لا تزال طويلة، واذا سلّمنا جدلاً ان تصريح النائب الفرنسي هو الخطوة الاولى على هذا الدرب، فهذا لا يعني اختصار المسافة، وتبقى الالف ميل بحاجة الى وقت طويل جداً لانهائها، حتى ولو تم السير على الطريق الصحيح. ولكن الامر الثاني اللافت في تصريح مارياني، هو تقديمه طريقة للخروج من هذا المأزق، اذ دعا الى السماح للمنظمات غير الحكوميّة بمواكبة عودة النازحين الى سوريا، لانه يدرك ان حكومات الدول الغربية والاوروبية لن تتراجع عن مسارها، وان المنظّمات غير الحكوميّة يمكن ان تلعب الدور الرئيسي في هذا المجال، فتغيّر المسار من دون احراج احد، وتؤمّن ما يتم تأمينه للنازحين في لبنان، انما هذه المرة داخل الاراضي السوريّة، فيربح الجميع ويتم انقاذ البلد من مصير مجهول يتخبط فيه. وهنا يكمن التحدي الحقيقي للمنظمات غير الحكومية لتثبت بالفعل انها تستحق تسميتها، وانها بالتالي غير مرتبطة بأي سياسة تعتمدها حكومات الدول، فتكون مستقلة وتأخذ المبادرة الكفيلة بحل الازمة، اذا ما توافرت الارادة.

الامور غير مشجّعة، وما يقال في السر يقال في العلن حول الموقف الدولي من النازحين، فالرغبة في بقائهم حيث هم هي السائدة، وما يدعو الى الاسف والحزن هو ان السلطات اللبنانيّة تعمل على ايجاد التسويات وابرام الصفقات للابقاء على هذا الوجود، في وقت يجب عليها رفض اي شكل من اشكال التفاوض حول دمجهم في المجتمعات التي تستقبلهم، وبالتحديد لبنان، فترضى هذه السلطة بالقليل الذي لن يدوم، بينما عليها القتال من اجل الكثير الذي يضمن على الاقل عدم تغيير هوية لبنان وصورته. ولمن ينتظر ان يقاتل البرلمانيون الاوروبيّون بدل البرلمانيين اللبنانيين من اجل لبنان، نقول له مع السيدة فيروز: "لا تندهي، ما في حدا".