قبل ما يقارب الشهر من اليوم، كان رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ جازماً بأن البلاد لا تحتمل شغوراً طويلاً في رئاسة الجمهورية، لافتاً إلى أنه أعطى ما يمكن وصفه بفسحة زمنية سقفها الأقصى نهاية العام الحالي، قبل أن يعود إلى إلتقاط زمام المبادرة من جديد.

هذا الموقف الحاسم، كان قد جاء بعد الإعلان عن تعليق مبادرته الحوارية الأولى، التي رفضت من جانب حزب "القوات اللبنانية" و"​التيار الوطني الحر​"، واليوم يعود الحديث عما يمكن أن يقوم به على هذا الصعيد، بعد فشل مبادرته الحوارية الثانية، بسبب موقف "الوطني الحر" و"القوات" أيضاً، لا سيما أن بعض النواب كانوا قد نقلوا عنه أنه في وارد الذهاب إلى طريقة جديدة في التعاطي مع ​الإستحقاق الرئاسي​.

بعيداً عن الأسباب التي تدفع الكتلتين المسيحيتين الأكبر إلى عدم الحماسة لتبلية دعوة رئيس المجلس النيابي إلى الحوار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن ما يجب التوقف عنده هو فقدان بري القدرة على المبادرة، بالرغم من أنّه كان في السنوات الماضية، خصوصاً بعد العام 2005، الفريق اللبناني الوحيد القادر على تقريب وجهات النظر بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، الأمر الذي يعود بالدرجة الأولى إلى مجموعة من المعطيات التي تحتاج إلى بحث منفصل.

من وجهة نظر هذه المصادر، الواقع الرئاسي الحالي يعكس عدم قدرة الأفرقاء المحليين على إنتاج تسوية داخليّة، الأمر الذي يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي من الممكن أن تدفع أو تجبر هؤلاء الأفرقاء على خيارات معينة، في حين هي ترجّح ألاّ يكون لدى رئيس المجلس النيابي، بعد نهاية العام الحالي، ما يقدّمه على هذا الصعيد، باستثناء الإستمرار في الدعوات إلى جلسات إنتخاب، بات الجميع يدرك أنها لن تقود إلى أيّ نتيجة، بينما من المستبعد أن يذهب إلى إعادة تكرار تجربة الدعوة إلى الحوار، على إعتبار أن إستمرار الفشل من الممكن أن يؤثر على دوره.

في هذا الإطار، كان من الواضح، في الساعات الماضية، سعي مجموعة من الأفرقاء إلى نفي وجود أي مؤشرات خارجية حول مبادرة ما، أو سعي إلى طرح التسوية على أحد الأسماء، سواء كان ذلك من الجانبين الفرنسي أو القطري، بالرغم من وجود معطيات تؤكد أن هناك حراكاً قائماً على هذا الصعيد لم تنضج ظروفه بشكل كامل بعد.

على هذا الصعيد، تلفت مصادر نيابية متابعة لمسار الإستحقاق الرئاسي، عبر "النشرة"، إلى أن هناك معطيات لا يمكن تجاهلها، أبرزها الحديث المتكرر، من قبل بعض الشخصيات اللبنانية، عن أن شهر آذار المقبل من المفترض أن يكون الحد الأقصى لإنتخاب الرئيس المقبل، ما يعني أن المشاورات من المتوقع أن تتكثف بشكل لافت في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2023، لكن السؤال هو حول مصدر هذه المشاورات: هل يكون من الداخل أم الخارج؟.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، لم يعد من الممكن الحديث عن مشاورات داخلية تنتج رئيساً، مع العلم أن هذا الأمر لا يحصل عادة في لبنان، وبالتالي التركيز سيكون على تلك التي سيكون مصدرها خارجي، وترى أن رئيس المجلس النيابي من الممكن أن يلعب دوراً في المرحلة التي تلي نضوج تلك المشاورات، وتعرب عن مخاوفها من أن يكون هناك مقدمات مطلوبة، على المستوى الداخلي، للدفع نحو التسوية.

في المحصّلة، العنوان الأساسي التي تتحدث عنه هذه المصادر هو خروج الإستحقاق الرئاسي من يد اللبنانيين، ما يؤكد مرّة جديدة عجز القوى السياسية عن إدارة البلاد من دون تدخلات خارجية واضحة المعالم، الأمر الذي يدفعها إلى القلق من إمكانية أن تحصل تطورات جديدة تقود إلى عرقلة المشاورات الخارجيّة أيضاً، في حين أنّ الأوضاع، بإعتراف الجميع، لا تحتمل الإستمرار في الواقع الحالي.