على "مللها" الذي زاد عن حدّه، و"رتابتها" التي أنهت في طريقها كلّ عوامل "التشويق"، وكذلك "الإثارة" التي كانت تحملها بعض السجالات التي باتت، إن حصلت، "محاولة استظراف" في أفضل الأحوال، حملت جلسة ​مجلس النواب​ المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية الخميس الماضي، "بشرى سارة" للكثيرين، مفادها أنّها كانت الأخيرة لهذا العام، وأنّ "العروض المسرحية" ستتوقّف لنحو ثلاثة أسابيع على الأقلّ بمناسبة الأعياد.

وإذا كانت جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة خلت من أيّ مفاجآت تُذكَر، وبدت مستنسَخة عن سابقاتها، ولو سجّل البعض "خرقًا نوعيًا" تمثّل في "تفوّق" مرشح بعض قوى المعارضة النائب ميشال معوض على الورقة البيضاء للمرّة الأولى في سجلّ الجلسات، فإنّ الواضح أنّ هذا "الخرق" لم يتمخّض عن أيّ "تغيير حقيقي"، وقد نجم فقط عن انضمام مجموعة من النواب إلى مُسقِطي "الشعارات" في الصندوق، لتوجيه "رسائل سياسية" ليس إلا.

إلى ما تقدّم، طغت الأجواء السلبية بجدارة على الجلسة، حيث أحجم نواب المعارضة، وتحديدًا "القوات"، عن "تعليقاتهم النظامية" في مستهلّ الجلسة، التي دأبوا خلالها على مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري بفعل "شيء ما"، فيما بدا "الاستياء" واضحًا على الأخير، بعدما اصطدمت مبادرته الحوارية للمرة الثانية بـ"الضربة القاضية" للتكتلين المسيحيين الأكبر، "لبنان القوي" و"الجمهورية القوية"، ما دفعه إلى صرف النظر عنها.

ورغم القاعدة العامة القائلة بأنّ "الثالثة ثابتة"، يُستبعَد أن يعمد بري إلى "إحياء" مبادرته من جديد في الأيام المقبلة، فيما تتّجه أنظار البعض إلى "المشاورات الجانبية" التي قد تُعقَد على هامش الأعياد، وقد تدخل بكركي على خطها، ليبقى "التعويل" الأساس على الحراك الخارجي الذي يُقال إنّه قد "ينشط" مع بداية العام الجديد، ليبقى السؤال الأكبر المطروح: هل تعبّد كل هذه التطورات الطريق نحو "التسوية"؟ وهل باتت الأخيرة قريبة فعلاً؟!.

حتى الآن، لا أجواء داخلية توحي بأنّ أي "تسوية" أضحت قريبة، فالمواقف لا تزال على حالها منذ ما قبل شغور سُدّة رئاسة الجمهورية، بل إنّ "التصلّب" يزيد لدى البعض، وهو ما عزّزته الجلسة التي عقدتها حكومة تصريف الأعمال، فأثارت "النقزة" بين حلفاء الصفّ الواحد، كما غذّته جلسة الحوار التي لم تُعقَد، وخرجت بعدها "القوات اللبنانية" مثلاً لتنعى سلفًا أيّ فكرة "حوارية"، إلا إذا جرت "ما بين" جلسات انتخابية مفتوحة، وهو ما يبدو متعذّرًا.

ولعلّ الجلسة الانتخابية الأخيرة التي عقدت الخميس الماضي، أكّدت هذا المنحى بشكل أو بآخر، حيث أظهرت أنّ الانقسام لا يزال يراوح مكانه، فالنائب ميشال معوض، وإن "تفوّق" على الورقة البيضاء كما يحلو للبعض القول، عاد إلى "مربعه الأول" برصيد لا يصل إلى 40 صوتًا، فيما المطلوب لا أن يصل فقط إلى 65 صوتًا، وهو ما لا يتوافر له، بل إلى أكثر من هذا الرقم بـ21 نائبًا، يقبلون الحضور بالحدّ الأدنى في أيّ دورة ثانية قد تفضي إلى انتخابه.

وإذا كان القاصي والداني يدرك أنّ معوض، ولو بدا المرشح "الأكثر جدية" في جلسات الانتخاب، ليس "مرشحًا جديًا" في العمق، وأنّ داعميه ينتظرون نضوج الصورة للإعلان عن خياراتهم الحقيقية، فإنّ مشكلة الفريق الآخر تبدو أكبر، حيث لا يزال حتى الآن متمسّكًا بالورقة البيضاء، معطوفة على "الشعارات"، لتفادي "الإحراج" الناجم عن عدم قدرته على الاتفاق على أيّ خيار، علمًا أنّ هذا الأمر بالتحديد هو أساس الخلاف بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر".

وسط هذا المشهد، ثمّة من يتحدّث عن "مشاورات" ستحملها الأسابيع الثلاثة المقبلة، أسابيع قال النائب ميشال معوض إنّه "سيستفيد منها" من أجل توسيع مروحة "التشاور" بين مختلف القوى السياسية بما يرفع رصيده، وقيل إنّ رئيس مجلس النواب قد يستفيد منها أيضًا لإطلاق "مشاورات ثنائية" قد تشكّل بديلاً عن الحوار الملغى، في مسعى لن يكون البطريرك بشارة الراعي بعيدًا عنه، هو الذي سيستقبل في الأعياد وفودًا تمثّل جميع اللاعبين الأساسيين.

لكنّ كلّ هذه "المشاورات" من الصعب أن تؤدي إلى أيّ "خرق"، وفق ما يقول العارفون، في ظلّ التصلّب المستمرّ في المواقف، رغم "الرهان" على حراك خارجي، قد يرقى لمستوى "المبادرة" مطلع العام، علمًا أنّ رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل استبق أيّ تقدّم على خطه، بإعلانه صراحة رفضه لمعادلة "إما سليمان فرنجية أو جوزيف عون"، في إشارة إلى المرشحين، المصنّفَين في الأوساط السياسية على أنّهما "الأوفر حظًا".

ويتحدّث المتابعون عن سلسلة عوامل تجعل الحديث عن حراك خارجي أكثر من ممكن، رغم أنّ الملف اللبناني لا يحظى حتى الآن بـ"أولوية" المجتمع الدولي، أولها دخول قطر على خط الأزمة، بعدما استقبلت الوزير جبران باسيل مرارًا وتكرارًا في الأسابيع القليلة الماضية، كما فتحت أبوابها لقائد الجيش جوزيف عون في أول زيارة من نوعها قبل أيام، وهي زيارة رجّح كثيرون أن تكون "ممهّدة" لإعلان ترشيح الأخير مطلع العام المقبل.

ومن المؤشّرات التي يمكن التوقف عندها، أنّ قطر لا تتصرّف على الأرجح "أحاديًا"، بعدما استفادت من العرس الكروي الذي استضافته، مونديال 2022، لتوسيع أطر التنسيق مع مختلف الدول، وقد حطّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضيفًا عليها في الأيام الأخيرة، في وقت توقف كثيرون عند اللقاء الذي جمع قبل أيام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وقيل إن باريس أسّست له، ولو بقيت عِبَره "شكليّة".

لكن، رغم كلّ ما سبق، ثمة من يتحدّث عن "عراقيل" سيصطدم بها الحراك الخارجي، فاسم جوزيف عون الذي يُقال إنّ التركيز منصبّ عليه، يبقى محور "جدل" في الداخل، فباسيل ليس وحده من يرفضه، إذ إنّ "القوات" لا تبدو موافقة عليه، ولو أنّ رئيسها سمير جعجع كان عمليًا أول من طرحه قبل أشهر، فيما "حزب الله" لن يتراجع عن دعم فرنجية قبل انسحاب الأخير من السباق، والكثير من قوى المعارضة ترفض تكريس فكرة "انتخاب عسكري".

وإذا كان "المتفائلون" يعتقدون أنّ بعض هذه العراقيل يمكن تجاوزها، ويوحون بأن باسيل لم يضع "فيتو" على ترشيح قائد الجيش، كما فعل مع رئيس تيار "المردة"، تاركًا بذلك "هامشًا" لنفسه إذا ما حصل على ما يريد من المفاوضات، فإنّ هناك من يؤكد أنّ معالم أيّ تسوية لم تنضج بعد، ما يجعلها "بعيدة المنال" حتى الآن، ما يعني أنّ ما بعد "إجازة الأعياد" سيكون كما قبلها، و"مسرحية" انتخاب الرئيس ستعاود عروضها خلال فترة وجيزة!.