أتَحمِلُ هوِيَّتَهُ، لبنان؟ إستَحقَقتَها؟ إذاً أنتَ مَسيحانيٌّ، لأيِّ دينٍ أو لادينٍ إنتَمَيتَ. هوذا كُنهُكَ، وَلَيسَ ما فيهِ مُلغَزاً يَستَدعي تَفسيراً بَينَ الظاهِرِ والمُطابِقِ، إذ إنَّكَ مِن وَطَنٍ-حَقيقَة، بِهِ يُتَحَدَّثُ لِكُلِّ مَن يَنتَظِرُ إفتِداءً.

هوَ الوَطَنُ-الثَورَة الَذي لا يَقبَلُهُ الهيرودوسِيُّونَ الساحِقونَ بِجَبروتِ البَطشِ، المُحَصَّنونَ بالأضاليلِ، الحاكِمونَ بالمَقهورِيَّةِ وإستِعبادِ ما تَبَّقى خارِجَ سَطوَتِهِم.

هَؤلاءِ أسماءٌ تَستَولِدُ عُنصُرِيَّاتٍ مُغضِبَةٍ مُبغِضَةٍ، تَتَسَربَلُ بِالمَظالِمَ... وَتَطويها الأيَّامُ التي حَكَموا عَلَيها بِجُرمِ خُروجِها عَن مَطاويهِمِ، وَمَا إستَوجَبَت مَوتاً. إختِلاسِيُّونَ هُمُ لِحَقِّ الحَياةِ؟ بَل أكثَرُ، إذ يُجاهِرونَ أنَّهُمُ المَولى... وِسعَ الزَمانِ.

مِن أورشَليمَ القاتِلَةِ لِلمُرسَلينَ، الى روما القابِضَةِ عَلى ميعادِ البَيِّناتِ.

هُم قَطَعوا عَهداً لِذَواتِهِم... هوَ، لبنان، قَطَعَ عَهداً لِلإنسانِيَّةِ قاطِبَةً. بِهِ تَكونُ حُرَّةً عَلى صورَةِ خالِقَها، مُبدِعِها مِنَ العَدَمِ... أو لا تَكونُ.

مَتى؟ عَهدُهُ مِنَ اللهِ، مُذِ اللهُ الآبُ غَرَسَ أرزَهُ بيَدَيهِ، "ذُروَتُهُ بَينَ الغُيومِ" وَ"تَحتَ ظِلِّهِ تَأوي جَميعُ أُمَمِ الأَرضِ"(حزقيال 31/6.3). وَقَد تَجَدَّدَ مَعَ الإبنِ، الإلَهِ مِن إلَهٍ، يَومَ، في قانا، إعتَصَرَ مِن خَمرَتِهِ الإِلَهِيَّةِ لِيُحَوِّلَ مِياهَهُ الى عَطِيَّةٍ، وَيَومَ مِن نواحِيَ صورَ وَصَيدا صَرَخَ لِتِلكَ المَرأةِ التي إمتَحَنَ صَلابَةَ حُرِيَّةِ إيمانِها بِهِ: "ما أعظَمَ إيمانَكِ"!.

مُذ ذاكَ، إنكَسَرَت أعرافُ أورشَليمَ وَروما وَرُعاعِهِما، وإنفَصَلُ التاريخُ بَينَ الما قَبلُ والما بَعدُ. لَم يَعُد حاضِرُ التاريخِ قُبوراً مُكَلَّسَةً "ظاهِرُها جَميلٌ، أمَّا باطِنُها فَمَليءٌ مِن عِظامِ أمواتٍ"...

أمُنذِرٌ لبنان بِخَرابِ أورشَليمَ وَروما وَتَوابِعُهُما-الَلعنَةُ... الى الَيومِ؟ هوَ الآيَةُ-الثَورَةُ، ثَورَةُ اللهِ الَتي قَلَبَتِ الثَوابِتَ العَقِيمَةِ وَأحَايينَ الظُلُماتِ: وَطَنٌ يَموتُ عَن أُمَمِ الإنسانِيَّةِ لِكَي لا تَهلِكَ، بَل تَكونَ لَها الحَياةُ بِهِ.

التَاريخُ الثالوثِيُّ

أَأَقولُ تَجَسُّداً؟ طَريقُ حَقيقَتِهِ يَعرِفُها لبنان مَسيرَةً، مَسيرَةً، وَمَا تَهَرَّبَ مِن مَرحَلَةٍ مِن مَراحِلِها، تَجَسُّدٌ، إضطِهادٌ، قيامَةٌ: ثالوثِيَّةُ تاريخٍ مُبطِلٍ لِلعَداوَةِ، يَتَفَرَّسُ بِجُرأَةِ كُلِّ حاضِرٍ في عُيونِ مُفتَرِسي أيِّ وِجدانٍ، أيِّ قَلبِ، أيِّ ضَميرٍ... حَتَّى تَنغَلِبَ كُلُّ ظَلامَةٍ وَتَندَحِرَ كُلُّ ظَلامِيَّةٍ.

أَأَقولُ ثَورَةٌ ثالوثِيَّةٌ؟ أُؤَكِّدُها، كَونِيَّةً:

ثَورَةُ الخَيرِ عَلى جُذُورِ الشَرِّ وأَبعادِ مَفاصِلِهِ.

ثَورَةُ الطُهرِ عَلى أغوارِ الدَنَسِ وَمَقاصِدَ مَستوراتِهِ.

ثَورَةُ الغايَةِ عَلى تَرَبُّصِ تَجارِبَ المُخادَعاتِ المُهادِنَةِ بِالمُطلَقِ.

في عِندِيَّاتِها الُلبُّ-لُبنانِيَّةً، اللارُجوعُ عَن أمانَةِ الحَياةِ المُبرَمَةِ إنتِصاراً لأُمَمِ الأرضِ المَسحوقَةِ... وَهي، بِتِلاحُمِها والمَعمورَةِ، أَجيالِيَّةٌ حتَّى إنقِضاءِ الدَهرِ.

أَلَيسَتِ إنطِلاقَةُ المَدَنِيَّاتِ الأُولى، مِن لبنان؟.

أَلَيسَتِ إنطِلاقَةُ الكَنيسَةِ الأُولى مِن لبنان؟.

أَلَيسَتِ إنطِلاقَةُ التَحَرُّرِالأَبقى مِن لبنان؟.

بَعدَما خَدَعَت أورشَليمُ إيمانَ الأَرضِ بِدَهاءِ تَلاغيها لِمُعتَقَدِ الآخَرِ المُختَلِفِ، وَبَعدَما خَدَعَت روما فِكرَ الأَرضِ بِدَهاءِ تَلاغيها لِجَوهَرِ الآخَرِ المُختَلِفِ، باتَت كُلٌّ مِنهُما، مُذ لبنان، في غُرورِ عَجزِهِما، مُعدِمَةً لِلأُخرى.

أَمَّا لبنان، بِثَورَتِهِ، فَمَلَكوتُهُ مِن هَذا العالَمِ، وَلَهُ، لأنَّ مَنهُ تَنبَلِجُ ال"طوبى"، وَهيَ في الآرامِيَّةِ تَعني الفَرَحَ. لِمَن؟ لا لِلمُستَكبِرينَ على الما فَوقَ، بَل لِلرافِعينَ الجُذورَ المُعانِقَةَ الما فَوقَ: مَساكينُ الأَرضِ، مَحزونوها، ودَعاؤُها، جِياعُها الى البِرِّ، رُحَماؤُها، أنقياءُ قُلُوبِها وَعُقولِها. صانِعو سَلامِها.

أجَل! بِحُرِيَّةِ تَحَرُّرِهِم، الَتي مِنهُ، هَذا الُلبنانُ، الثالوثِيُّ: جَسَداً، نَفساً، وَروحاً، يَتَشَتَّتُ المُتَكَبِّرونَ، يُحَطُّ المُتَغَطرِسونَ عَنِ العُروشِ، يُرفَعُ الوُضَعاءُ، يُشبَعُ الجِياعُ، وَيُصرَفُ الأَغنِياءُ فارِغينَ.

أَتَحمِلُ هوِيَّتَهُ، لبنان؟ إستَحِقَّها بِهِ؟ إقتَبِل ثَورَتَهُ-الَتي-مِنَ-اللهِ! كُن أَنتَ ثَورَتَهُ فيكَ!.