منذ انفجار الأزمة الأخيرة بين "​التيار الوطني الحر​" و"​حزب الله​"، بسبب مباشر يرتبط بمشاركة الأخير في جلسة للحكومة اعتبرها الأول ضربًا للشراكة الوطنيّة، وآخر غير مباشر يرتبط بمقاربة استحقاق الانتخابات الرئاسية والخيارات المترتبة عليه، لا يكفّ "الحليفان المفترضان" عن تبادل الرسائل، لم يرقَ حتى الآن لمستوى "المبادرة الجدية" لترميم العلاقة وإعادة "الودّ"، بما يسمح بـ"تحصين" تفاهم مار مخايل.

آخر هذه "الرسائل" تمثّلت في الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، الذي كان "العونيّون" يأملون أن يضع "نقطة على السطر"، لكنّه لم يفعل، إذ اكتفى بكلامٍ إيجابيّ عام، من دون الغوص فعليًا في "لبّ المشكلة"، بل إنّ كثيرين فهموا من حيثيّاته، دعوة "مفتوحة" لرئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل من أجل الانسحاب من التفاهم، من دون أيّ "حَرَج"، إن جاز التعبير.

وإذا كان "التيار" سارع عبر أوساطه الرسمية للتعليق على مواقف السيد نصر الله، باعتبارها "لطيفة وإيجابية"، إلا أنّه تعمّد في الوقت نفسه أن يقول إنّها "غير كافية"، في إشارة إلى أنّ المطلوب أداء "مغاير"، ما يطرح علامات استفهام بالجملة عن آفاق العلاقة بين الجانبين، لكن قبل ذلك، ثمّة سؤال يُطرَح في صفوف القاعدة "العونية" قبل غيرها، فهل يريد "حزب الله" فعلاً إعادة "الودّ" للعلاقة؟ وكيف يثبت "حسن نواياه"؟!.

صحيح أنّ "التيار" وصف خطاب السيد نصر الله بـ"اللطيف"، وتلقفه بـ"إيجابية" ولو اتسمت بـ"الحذر"، لكنّ الصحيح أيضًا وفق ما يقول بعض المتابعين، إنّ "العونيين" لم يكونوا راضين بالمُطلَق عن مواقف الأمين العام لـ"حزب الله"، وهو ما قد يكون أكثر من مبرَّر بالنظر لتعليقات بعض خصوم "التيار" الذين ذهب بعضهم لحدّ اختصار الخطاب بعبارة "ما حدا جابرك"، التي أطلقها نصر الله لوضع حد لـ"ابتزاز" باسيل.

يتحدّث العارفون في هذا السياق عن سلسلة "مفارقات" لم تكن "على خاطر" مؤيدي "التيار الوطني الحر" في خطاب السيد نصر الله، فهو، على إيجابيته الظاهرة، لم يَخلُ من الإشارات غير الودية، من بينها انتقاده المُبطَن لاستراتيجية "التيار" الإعلاميّة، منذ كشف باسيل عن "مداولات" لقائه الأخير بالسيد نصر الله، وتذكيره بأنّ "التيار" يفضّل نقاش الخلافات والتباينات مع "الأصدقاء" في الغرف المغلقة.

ولعلّ عبارة "الأصدقاء" شكّلت نقطة سلبية أخرى، ولا سيما أنّ السيد نصر الله وصف في خطابه باسيل بـ"الصديق"، وهي صفة يقدّرها "العونيون"، لكنهم يجدون فيها تعمّدًا لسحب صفة "الحليف" عنه، في حين أنّ "التيار" خسر على مدى السنوات، كلّ حلفائه، ولم يبقَ له سوى "حزب الله"، وهم لا يخفون أنّ العلاقة مع الحزب كانت وراء تدهور العلاقة مع كثيرين، وأفضت إلى فرض عقوبات على باسيل.

ومع أنّ هذه الأمور يفترض أن تُناقَش في العمق، خلال اللقاءات التي وعد السيد نصر الله بحصولها في وقت قريب، والتي يتوقع أن يذهب إليها الجانبان طالما أنّ أيًا منهما ليس مستعدًا لإعلان "الطلاق" من طرف واحد، فإنّ تأخر حصول هذا التواصل يبدو بدوره مؤشّرًا غير ودّي، خصوصًا بعد كلّ ما أثير عن طلب باسيل موعدًا من نصر الله منذ اليوم الأول، من دون أن يكون له ما أراده طيلة هذه الفترة.

يقود كلّ ما سبق إلى طرح مصير تفاهم مار مخايل، الذي يقترب من عيده السابع عشر، ويبدو "على المحكّ" فعلاً، تمامًا كما وصفه باسيل قبل فترة، ولو كان يعتقد في قرارة نفسه أنّ الأمور لن تصل إلى هذا الحدّ، حيث يعتقد كثيرون أنّ الخلاف "عميق"، بل يلمحون إلى أنّ لـ"حزب الله" تحفّظات غير بسيطة على أداء "حليفه المفترض"، وإلا لتصرّف بشكل مغاير، وأنهى "الأزمة" خلال ساعات، كما فعل مرارًا وتكرارًا.

ويقول البعض إنّ من "تحفّظات" الحزب تعامل رئيس "التيار" معه وفق منطق "أنا أو لا أحد"، بما يهدّد علاقاته مع سائر الحلفاء والأصدقاء، وعلى رأسهم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، ولكن أيضًا محاولة باسيل إظهار نفسه على أنّه من "يغطّي المقاومة وسلاحها"، وهو ما يرفضه العارفون بأدبيّات "حزب الله"، علمًا أنّ السيد نصر الله ألمح إلى ذلك، حين قال إنّ الحزب لا يريد رئيسًا "يغطّي" المقاومة، وإنّما "لا يطعنها في الظهر".

وفي سياق "تبادل الرسائل"، يضع كثيرون زيارة وفد "حزب الله" بقيادة رئيس مجلسه السياسي السيد إبراهيم أمين السيد إلى بكركي، في الشكل بالدرجة الأولى، لكن أيضًا في المضمون، ولا سيما لجهة المواقف التي أطلقها الرجل، وصولاً لحدّ إبداء "المرونة" على ترشيح قائد الجيش جوزيف عون للرئاسة، رغم "الفيتو" الذي يرفعه باسيل في وجهه، وهو الذي يتحدّث عن اسم "ثالث"، بعيدًا عن عون وفرنجية.

وثمّة من يضيف إلى هذه الرسائل، دعوة السيد نصر الله الواضحة والصريحة لعدم الرهان على الخارج، وهو ما قد فُسّر في بعض الأوساط انتقادًا مبطنًا لباسيل، الذي يتحرّك بين الدوحة وباريس في سبيل تسويق ما يقول إنّها "مبادرة"، ويرفض دعوات رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار، الذي كان نصر الله أيضًا واضحًا في ضرورة الركون إليه، عاجلاً أم آجلاً، باعتبار أنّ لا حلّ سوى بالتفاهم الداخلي أولاً وأخيرًا.

في النتيجة، يعتبر كثيرون أنّ ما يحصل اليوم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" مرتبط بالاستحقاق الرئاسي بالدرجة الأولى، رغم كلّ ما يُحكى بخلاف ذلك، وأنّ تفاهم مار مخايل، وإن اهتزّ، لن يسقط، طالما أنّ طرفيه يرفضان المبادرة لنعيه. لكن أسئلة كبرى تُطرَح، فهل يمكن للعلاقة أن تعود فعلاً لسابق عهدها، متى مرّ "قطوع" الانتخابات؟ وهل سيكون ممكنًا "تجاوز" الإشكاليات التي رافقته، والتي وصلت لحدّ التشكيك بالصدق والوفاء؟!.