كان رئيس الحكومة المستقبلة ​نجيب ميقاتي​، ومن دون منازع، البطل الوحيد في رواية انعقاد مجلس الوزراء الشهير وسط معارضة "​التيار الوطني الحر​" و"القوات اللبنانية" وهما من اكثر الاحزاب شعبية في الشارع المسيحي، ما ادّى بالتالي الى رفع حدود التوتر عالياً جداً بين التيار و"​حزب الله​" الذي "ساير" ميقاتي وحضر الجلسة. وعلى الرغم من بقاء التوتر، واعلاء رئيس التيار النائب جبران باسيل الصوت لجهة التهديد والوعيد في حال تكرر الامر، والمحاولات التي تجرى لرأب الصدع وابقاء تحالف مار مخايل حياً لاجراء بعض "العمليات الجراحية التجميلية" عليه، ها هو ميقاتي يطل مجدداً على الساحة ويمهد الطريق امام احتمال دعوة مجلس الوزراء مرّة اخرى الى الانعقاد تحت عنوان ملفّ الكهرباء.

هذه المرّة، يدرك ميقاتي تماماً انها ستكون اكثر تعقيداً بالنسبة الى التيار الوطني الحر ووضعه مع حزب الله، حيث يكثر الحديث عن امكان اعلان وفاة التحالف هذه المرّة اذا ما سارت الامور باتجاه جلسة جديدة للمجلس. وعلى الرغم من كل التأكيدات التي تجزم بأنّ التحالف لن يموت مع الاعتراف بأنّه بات بحاجة الى "اصلاح" نتيجة السنوات وتآكله بفعل التطورات والاحداث المتسارعة. ولا شك في ان ميقاتي يدرك تماماً ان اي شرخ جديد بين التيار والحزب يعني اتساع الهوّة وقد لا ينفع مداواة الجراح بعد الوقوع فيها لترتفع حظوظ الفراق. هذا الامر سيكون بمثابة الهديّة المنتظرة لكثيرين من الّذين يعتبرون انه بمقدار ما يؤمّن باسيل غطاء خارجياً للحزب بفعل دعمه من قبل التيار "المسيحي"، فإن الحزب يؤمن غطاء داخلياً لباسيل بفعل دعمه له في الداخل وحمايته من "غضب" رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبالتالي فإنّ رفع الغطاء الداخلي عن التيار من شأنه ان يمعن في الانتقاص من نفوذ باسيل ما ينعكس تقويض صورته امام اللاعبين الفاعلين في الخارج الذين سيتغاضون عنه عند تحديد مسار اللعبة في لبنان، والموافقة تالياً على تخفيض حضوره على الساحة السياسية الى الحدّ الادنى، لانّ احداً لا يمكنه القضاء تماماً على الوجود السياسي لايّ شريحة او حزب او تيار على الارض اللبنانية.

باسيل الذي استشف مثل هذه الحركة المشبوهة، كان بدأ بضربة استباقية عبر تعزيز اتصالاته وعلاقاته في الداخل والخارج، وقد نسج شبكة تواصل مع قطر وفرنسا بشكل خاص لعلمه بأنّ السعودية غير متحمّسة لميقاتي الّذي امامه باقي الدول الخليجيّة لاستقطابها وفي مقدّمها قطر، كما انّ فرنسا هي الاكثر دعماً له على الصعيد الدولي، لذلك ركّز باسيل على تأمين الحماية الخارجيّة له معطوفة على تحصين وضعه الداخلي وهو الامر الاصعب بطبيعة الحال، لكنها محاولة لا خسارة فيها، لا بل قد تؤدّي الى احداث نفق في دهليز العلاقات الدوليّة المهترئة التي يعاني منها باسيل بعد وضعه على لائحة العقوبات الاميركيّة على يد ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب. ويدرك رئيس التيار انّ قطع العلاقة مع الحزب تنعكس عليه، في الشق الداخلي، خسارة اكبر مما سيتكبده الحزب (الذي سيعاني من خسارة اكبر خارجيّة بفعل فقدانه للغطاء المسيحي الوحيد الذي يتمتع به)، وستزيد من عزلته اللبنانيّة التي يعمل جاهداً لتخفيفها قدر الامكان، لانهاستصب في خانة ميقاتي في الدرجة الاولى والّذي سيستمتع بتنحية باسيل عن الساحة السياسية وكسب مجال كبير من الراحة في التعاطي مع الاحداث، كما ان برّي سيكون مغتبطاً لتحقيق ما عجز عنه لسنوات، وبالتالي لتطلق يده في تحطيم كل ما شيّده باسيل من "حصون سياسية" على مدى سنوات.

كل هذا السيناريو يبقى رهناً بأمرين: انعقاد الجلسة الحكوميّة، وطلاق التيار والحزب.