منذ لحظة دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسي، كانت غالبية القوى السياسية تركز على مراقبة مؤشرين أساسيين: الأول يتعلق بمواقف غالبية الأفرقاء من هذا الإستحقاق، خصوصاً لناحية إمكانية تبديل أي فريق لخياراته الأولية، أما الثاني فيتعلق بالتطورات القائمة على المستويين الإقليمي والدولي، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من حراك خارجي بإتجاه الساحة اللبنانية.

في الوقت الراهن، يسلم الجميع بالحاجة إلى تسوية، من المرجح أن يكون مصدرها خارجي بالدرجة الأولى بسبب حالة الإستعصاء القائمة على المستوى المحلي، لكن حتى الآن لم تظهر أي معالم لهذه التسوية، لا بل أن المؤشرات الإيجابية كانت قد تراجعت في الفترة الماضية، لكن مع معادلة هامة تكمن بالحرص المتكرر على الإعلان عن دعم ​المؤسسة العسكرية​ والأمنية، إنطلاقاً من الرغبة بالحفاظ على الإستقرار الداخلي.

وسط هذه الأجواء، تطرح مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، الكثير من علامات الإستفهام حول القدرة عى تحقيق هذا الهدف، في ظل تزايد عوامل التوتر بشكل ملحوظ، سواء كان ذلك على المستوى الإقتصادي أو على المستوى الإجتماعي، الأمر الذي قد يؤدي في لحظة ما إلى خروج الأمور عن السيطرة، لا سيما إذا ما كان هناك رغبة لدى أي جهة بذلك.

وتلفت هذه المصادر إلى معطى أساسي برز، في الفترة الماضية، تمثل بالعجز عن السيطرة على الإرتفاع المستمر في سعر صرف ​الدولار​ في ​السوق السوداء​، بما يترك هذا العامل من تداعيات على كافة المستويات، حيث لم يتأخر المصرف المركزي في التراجع عن الإجراءات التي كان قد أعلن عنها في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، في حين كانت وزارة الصحة العامة تعلن عن ​رفع الدعم​ عن حليب الأطفال، بحجة عدم القدرة على وقف عمليات التهريب.

من وجهة نظر المصادر نفسها، ما ينبغي التوقف عنده أيضاً هو سرعة تطور أي إشكالات يومية، خصوصاً إذا ما كانت قد انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي، كالذي حصل مع دورية تابعة لقوى الأمن الداخلي أول من أمس في الكورة، في حين أن الشكاوى من عمليات السرقة تزداد يوماً بعد آخر في أكثر من منطقة، من دون تجاهل الضغوط التي تتركها أزمة ​النازحين السوريين​، بالإضافة إلى الواقع القائم على المستوى التربوي.

في هذا السياق، ترى المصادر السياسية المتابعة أن كل هذه المؤشرات قد تكون مقدمة نحو ما هو أبعد من ذلك، لكنها تلفت إلى أن الأكثر أهمية هو الملفات ذات الطابع السياسي، نظراً على أن القدرة على إستغلالها أو الإستثمار بها أكبر، وهو ما كان قد ظهر منذ اللحظة الأولى للإعلان عن زيارة الوفود القضائيّة الأوروبيّة إلى بيروت، نظراً إلى أنّ هذا الملف لا يمكن فصله عن الواقع السياسي في البلاد بأيّ شكل من الأشكال، سواء كان ذلك على مستوى مواقف الأفرقاء الداخليين أو الجهات الدوليّة المعنيّة بالساحة اللبنانيّة، بالإضافة إلى عودة ملف التحقيقات في إنفجار ​مرفأ بيروت​ إلى الواجهة بقوة.

بالإضافة إلى ما تقدّم، تشير هذه المصادر إلى الخلاف المستمر حول ​الإستحقاق الرئاسي​، الذي يدفع بعض الجهات إلى التلويح بإمكانية اللجوء إلى تحركات في الشارع، لكنها تعتبر أن الملفّ الأكثر أهمية هو الخلاف المستمر على كيفيّة إدارة البلاد في ظلّ الشغور الرئاسي، لا سيّما بعد أن ظهرت رغبة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالدعوة إلى جلسة جديدة ل​مجلس الوزراء​، من غير المتوقّع أن تمرّ مرور الكرام في حال عقدت من دون موافقة "التيار الوطني الحر".

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أن الحرص على الإستقرار المحلي لا يمكن أن يتحقق من دون الذهاب إلى خطوات عمليّة على هذا الصعيد، خصوصاً أنّ عوامل التوتير جاهزة ومتعدّدة، وتذكر بالعديد من الرسائل الخارجيّة التي حذّرت، في الأشهر الماضية، من إمكانيّة الذهاب إلى هكذا سيناريو، أبرزها ما كانت قد تحدثت عنه مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عن أن الوضع في لبنان قد يزداد سوءاً.