"هوَذا الوَطَنُ العَظيمُ... الَذي وَصَفَهُ البابا يوحنا-بولسَ الثاني بِرِسالَةِ تَعَدُّدِيَّةٍ، في مِنطَقَةِ التَلاقيَ، وَمَهدِ الدياناتِ الإبراهيميَّةِ الثَلاثِ." قالَها، بادِئاً حَجَّه إلَيهِ مِنَ الذُرى الَتي بَلَغَها سَلَفُهُ القِدِّيسُ.

أجَل! لَيسَتِ المَسيحيَّةُ والإسلامُ مُعضِلَةَ لبنانَ-الرسالَةِ، مَهما تَبادَعَ البَعضُ في تَحويلِهِما قَبيلَتَينِ، حَرَكِيَّتُهُما تَنفِيَةُ الواحِدَةِ للأُخرى.

مَعاً، هُما مَدعُوَتانِ، في لبنانَ وَمِنهُ، الى إنهاءِ زَمَنٍ وَبَدءِ عَهدٍ. أمَّا الزَمَنُ فَهوَ ماجَريَّاتُ رَفضِ الفَهمِ المُتَبادَلِ. أمَّا العَهدُ فَتَقريرُ مَصيرِ... لا لبنانَ فَحَسبَ، بَلِ العالَمَ. بِهِ يُصبِحُ لبنانُ لبنانَ والعالَمُ عالَماً، وَقَد إرتَفَعا الى الأسمى، نَهجاً وَمَنهَجاً.

في هَذا النورٍ، تَتَفَعلَنُ رِسالَةُ لبنانَ واقِعاً مُرتَبِطاً بأرضٍ وَمُتَأرِّضاً في الروحِ. جَوهَرُهُ الحِكمَةُ، والحِكمَةُ إحتِكامٌ الى الإعتِدالِ. وَقَد قالَ: "إنَّ التَوازُنَ الُلبنانِيَّ، الَّذي يُقَدَّمُ في كُلِّ مَكانٍ كَمِثالٍ... مُهَدَّدٌ أحياناً بالتَّحَطُّمِ عَندَما يُشَدُّ كَوَتَرِ القَوسِ، أو عِندَما يَخضَعُ لِضُغوطٍ، غالِباً ما تَكونُ فِئَوِيَّةً، أو حَتّى مادِيَّةً، مُعاكِسَةً وَغَريبَةً عَنِ الإنسِجامِ والعُذوبَةِ الُلبنانِيَّينِ. وَهُنا يَنبَغي إظهارُ الإعتِدالَ الحَقيِقيَ والحِكمَةَ الكَبيرَةَ".

بُطولَةٌ

بُطولَةُ لبنانَ، بِحَسَبِ بِنِديكتوسَ الكَبيرَ، لَيسَت كِيانِيَّةً فَحَسبَ بَل كَينونِيَّةٌ أيضاً، لِأَنَّها لا تَقتَصِرُ عَلى المِعنى بَل تَفتَرِضُ التَسَيُّدَ. وَنِهائِيَّةَ هَذا التَقَّصُدِ: السَلامُ، إقتِناعاً وَضَمانَةً. وَهوَ الصارِخُ في القَصرِ الجُمهوريِّ: "إنَّ الإختِلافاتِ الثّقافِيَّةَ والإجتِماعِيَّةَ والدِينيَّةَ يَجِبُ أن تؤَدّيَ إلى عَيشِ نَوعٍ جَديدٍ مِنَ الأُخوَّةِ، حَيثُ ما يُوَحِّدُ هوَ المِعنى المُشتَرَكُ لِعَظَمَةِ كُلِّ شَخصٍ، وَلِكَونِهِ عَطِيَّةً لِنَفسِهِ وَلِلآخَرينَ وَلِلبَشَرِيَّةِ. في ذَلِكَ، طَريقُ السَلامِ! ... في ذَلِكَ، التَوَجُّهُ الواجِبُ لِقيادَةِ الخَياراتِ السياسيِّةِ والإقتِصادِيَّةِ، في كافَّةِ المُستَوَياتِ وَعَلى نِطاقٍ عالَمِيّ".

بُطُولَةُ لبنانَ، بِحَسَبِ بِنِديكتوسَ الكَبيرَ، لَيسَت إصطِناعاً مَرحَليَّاً، بَل بَينَ النِهائِيَّةِ واللانِهائِيَّةِ قَضِيَّتُها. هيَ وَجدَنَةُ الذَودِ عَن وجودٍ هوَ جَوهَرٌ مُتأبِّدٌ. وَهوَ الصارِخُ في القَصرِ عَينِهِ: "إنَّ نَظرَةً جَديدَةً وأكثرَ حُرِّيَةٍ سَتُمَكِّنُ مِنَ التَساؤلِ حَولَ الأنظِمَةِ الإنسانِيَّةِ المؤَدِّيَةِ إلى طُرقٍ مَسدودَةٍ، بِهَدَفِ التَقَدُّمِ مَعَ الأخذِ بِعَينِ الإعتِبارِ الماضِيَ لِكَي لا نُكَرِّرَهُ أبَداً مَعَ تأثيراتِهِ المُدَمِّرَةِ".

بُطولَةُ لبنانَ، بِحَسَبِ بِنِديكتوسَ الكَبيرَ، لَيسَت تَركيزاً لإنسانٍ بَل صَوناً لِخَلقٍ مُشتَرَكٍ بَينَ إنسانٍ وإنسانٍ. في ذَلِكَ، جَدَلِيَّتُها بَينَ الأرضِ والسَماءِ، إذ تَجمَعُ المُتَغَيِّرَ الى الثابِتِ، وَتُثَبِّتُهُ. ما عَداها، هُروبٌ مِنَ التاريخِ الحاضِرِ الى الضَلالِ اللاحَضارِيِّ. وَهوَ الصارِخُ اأيضاً في القَصرِ: "لِلمؤمِنينَ الَيومَ دَورٌ جَوهَرِيٌّ، وَهوَ الشَّهادَةُ لِلسَلامِ الآتيَ مِنَ اللهِ... وَعَلى تَقاعُسِ الأُناس ِالصالِحينَ ألَّا يَسمحَ لِلشَّرِ بأن يَنتَصِرَ. والأَسوَأُ، عَدَمُ فِعلِ أيِّ شَيءٍ".

أَفَوقَ الأرضِيَّاتِ، تِلكَ البُطولَةُ الُلبنانِيَّةُ... مِن أجلِ العالَمِ؟ قُلّ: مِنَ الروحِ أمَّوِيَّتُها، إذ تَتَمَسَّكُ بالكَرامَةِ الإنسانِيَّةِ وَتَزِنُ تَبِعاتِها مَن أحتِرامِها لِلحُرِيَّاتِ وَفي طَليعَتِها حُرِيَّةُ المُعتَقَدِ. "فَلِيَكتَشِفِ اليَهودُ والمَسيحِيُّونَ والمُسلِمونَ في المُؤمِنِ الآخَرِ أخاً يُحتَرَمُ وَيُحَبُّ لِكَيما يُقَدِّموا، كُلٌّ عَلى أرضِيَّتِهِ أوَّلاً، شَهادَةً جَميلَةً لِلصَفاءِ والمَوَدَّةِ بَينَ أبناءِ إبراهيمَ." هَكَذا أوصَى في إرشادِهِ الرَسوليِّ: "الكَنيسَةُ في الشَرقِ"، الَذي وَقَّعَهُ مِن عُلا قِمَّةٍ مِن لُبنانِنا.

هوَ هوَ لبنانُ-الرِسالَةُ: الأرضُ المُختارَةُ مِنَ السَماءِ... وَلَها. هوَ تَتويجُ حَضارَةِ عَهدِ الصالِحينَ، لا إدارَتَهُ التاريخِيَّةِ فَحَسبَ. المُعطى لا التابِعَ، المَتبوعَ في الغَيرِيَّةِ: العالِيَ العِمادِ. المُتَراميَ الرِحابِ. الزاخِرَ بإحتِضانِ المَدلولِ الأقصى.

هوَذا لبنانُ العَظيمُ، بِحَسَبِ بِنِديكتوسَ السادِسَ عَشَرَ!.