مرة جديدة ينجح رئيس الحكومة المستقيلة ​نجيب ميقاتي​ في جمع الوزراء على مائدة الجلسة الحكومية على الرغم من كل التهديد والوعيد من المعترضين وفي مقدمهم التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. مفاجأة اخرى حملها معه ميقاتي الى الجلسة الاخيرة، وهي انضمام وزير السياحة في الحكومة المستقيلة ​وليد نصار​ (المحسوب على الرئيس السابق العماد ​ميشال عون​ وعلى التيار الوطني الحر)، اضافة الى عودة وزير الاقتصاد والتجارة في الحكومة المستقيلة امين سلام الى جناح السراي الكبير.

معنوياً، لا يمكن الا الاعتراف بالنجاح المعنوي الكبير الذي حقّقه ميقاتي، اما عملياً فالامر مختلف. وعلى الرغم من ان رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ اظهر انه نجح (بمساعدة مباشرة وحثيثة من رئيس مجلس النواب نبيه بري) في كسر "العزلة السياسية المسيحيّة" عليه بتواجد نصار-الذي وان اوضح انه ليس منتسباً للتيار الوطني الحر فهو من "عظام الرقبة" لعون والتيار، كما ان الاهم ان سلام (المحسوب ايضاً على التيار والذي خاض الاخير معارك مع ميقاتي من أجله وطُرح اسمه بشكل محتمل لتشكيل حكومة جديدة)، بات هو ايضاً من المرنّمين في جوقة الجلسات الحكوميّة حتى انه قال بصريح العبارة "ما عملنا وزرا لنقعد بالبيت".

ولكن، ماذا تعني عملياً هذه التطورات؟ بالمبدأ، وعلى الرغم من كل شيء، يستمر التحالف بين التيار و​حزب الله​ على حاله، أي أنه ليس في افضل حالاته ولكنه ليس معرضاً للزوال، وبالتالي ستبقى الامور على ما هي عليه، انما مع افضلية اضافية تمثلت بخروج الحزب من منطق الحرج، اما التيار بسبب الغطاء الذي وفّره نصار وسلام. وبالتالي، سيكون لسان حال الحزب لرئيس التيار النائب ​جبران باسيل​ ومعاونيه: اذا لم تستطيعوا ان "تمونوا" على من هم "منكم وفيكم" فكيف تطلبون منّا ذلك؟ هذه النقطة اذاً اعطت غطاء مهماً للحزب لسحب الذرائع من يد التيار والكلام عن عدم التضامن وتهديد الميثاقية وغيرها من الامور...

وفي المقابل، وجد التيار غطاء مسيحياً مهماً هو بكركي التي اعلنت بوضوح انها غير راضية عن الاجتماعات الحكوميّة، بالرغم من كلّ التبريرات والزيارات التي قام بها ميقاتي الى البطريرك الماروني لشرح موقفه، ووجد التيار نفسه في الملعب المسيحي في هذا الاطار بدعم من البطريرك و"القوّات اللبنانية" (ولو بقيت الخلافات معها على مواضع اخرى). ولكن "الضربة" التي تعرّض لها التيار بحضور نصار وسلام الجلسة الحكومية، ليست بالسّهلة اذ بدا وان نصار يسلّم على وزير الصناعة في الحكومة المستقيلة ​جورج بوشكيان​ الذي كان امّن سابقاً الغطاء لانعقاد الجلسة، فيما غرّد سلام خارج سرب التيار بشكل مفاجئ، وقال لا للتيار، وليس مستبعداً ان يرد التيار: لا سلام.

من المهمّ الاشارة الى ان مثل هذه الامور من شأنها اضعاف صورة رئيس التيار جبران باسيل السياسية، وبالتالي تعتبر من الاسباب الرئيسية التي تبقي التحالف مع حزب الله على حاله، لانّ اي خلل بالتحالفات الآن ومن دون تأمين بديل، يعني "انتحاراً سياسياً"، وهو ما ليس بوارد ان يقوم به الوطني الحر، مع التأكيد على حاجة الحزب ايضاً له. واذا كان اضعاف باسيل هو الهدف وبدأت المعركة بالفعل في هذا الاتجاه، فعندها لن يكون الردّ متوقعاً وقد يكون غير منطقي في مسائل وامور اخرى لانه عندها سيعتبر التيار ان وجوده بات على المحك وان اضعاف رئيسه سياسياً يعني توجيه ضربة مباشرة له في الاستحقاقات او التفاهمات المستقبلية المنتظرة، ولن يقبل بالتالي ان يخسر الآن ما سبق وعمل على تجميعه في السنوات الماضية، وقد يزداد عناده وربما يتجه الى مسارات مختلفة لاستعادة صورته المعنوية وفرض نفسه بقوة في اي معادلة او تسوية مرتقبة.