أشار وزير الدّاخليّة والبلديّات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، إلى أنّ "الاقتتال بين اللّبنانيّين أصبح من الماضي، وأنّ من يراهن عليه سيكتشف أنّ رهانه ليس في محلّه، ليس لأنّ اللّبنانيّين يقفون سدًّا منيعًا ضدّ إقحام بلدهم في حرب داخليّة لا طائل منها فحسب، وإنّما لأنّ المجتمع الدولي يدعم الجهود الرّامية للحفاظ على الاستقرار وعدم تعريض السلم الأهلي إلى انتكاسة".

وأكّد، في حديث إلى صحيفة "الشّرق الأوسط"، أنّ "الظّروف المحليّة والخارجيّة الّتي كانت وراء اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في ربيع 1975، باتت معدومة، رغم أنّ آثارها المأسويّة ما زالت حاضرة في أذهانهم، وأكبر دليل أنّ حادثة الطيونة لم يكن لها من تداعيات على الوضع الدّاخلي؛ وذلك بفضل الجهود الّتي أدّت إلى تطويق ذيولها ومضاعفاتها".

ولفت مولوي إلى أنّ "لا خلفيّة سياسيّة للإشكالات الأمنيّة المتنقّلة، الّتي تحصل من حين لآخر في أكثر من منطقة، وهي تبقى محصورة بحوادث تتراوح بين عمليّات هدفها السّلب والسّطو، إضافةً إلى إشكالات فرديّة يُصار إلى التّعاطي معها من قِبل القوى الأمنية والعسكريّة بحزم"، موضحًا أنّها "قد تمكّنت من توقيف العشرات من مرتكبيها، وإحالتهم إلى القضاء لمحاكمتهم وإنزال العقوبات بحقّهم".

ونوّه بـ"دور القوى الأمنيّة في الحفاظ على الاستقرار، ومبادرتها إلى التّدخّل لوضع حدّ للإخلال بالأمن"، مبيّنًا أنّ "المعاناة الّتي يرزح تحت وطأتها العاملون في الأسلاك الأمنيّة والعسكريّة من جرّاء تدهور الأوضاع المعيشيّة والماليّة والاقتصاديّة، أسوةً بسواهم من اللّبنانيّين، لم تؤثّر سلبًا على المهام الموكلة إليهم بالتّصدّي لكلّ من يحاول الإخلال بالأمن، وهذا ما تأكّد من خلال تصدّيهم الفوري لعمليّات السّطو والسّلب والسّرقة، وعمليّات الخطف الّتي يُراد منها ابتزاز أصحابها لدفع فدية ماليّة في مقابل الإفراج عنهم".

كما شدّد على أنّ "لا مكان للمشاريع السّياسيّة الّتي يُراد منها تقويض وحدة لبنان وصولًا إلى تقسيمه، للعودة بالبلد إلى ما كان عليه قبل إقرار وثيقة الوفاق الوطني الّتي أنتجها اتفاق الطائف"، مركّزًا على أنّ "اللّبنانيّين لا يريدون الحرب، ومن يحاول إشعال الفتن الطّائفيّة سيلقى مقاومة منهم، من دون التّفريق بين المسيحيّين والمسلمين الّذين يصرّون على العيش تحت سقف التّمسّك بمشروع الدّولة وضرورة تطويره".

وكشف مولوي أنّ "القوى الأمنيّة والعسكريّة على اختلافها تتابع الوضع داخل المخيمات الفلسطينية والمناطق المجاورة لها، وتعمل على ضبط الوضع في الأماكن الخاصّة بالنزوح السوري"، مفيدًا بأنّ "معدّل الجرائم في عام 2022، انخفض بنسبة ملحوظة عمّا كان عليه في العام الّذي سبقه".

وأعاد التّأكيد أنّ "القتال أصبح من الماضي، لأنّ المجتمع الدّولي لا يشجّع الإرهاب، ولا يوفّر الغطاء للّذين يروّجون للمشروعات التّقسيميّة، ولا يكترث لدعوتهم، بصرف النّظر عن الشّعارات الّتي يرفعونها لتسويق مشاريعهم". وأضاف أنّ "الوجع النّاجم عن تفاقم الأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة، مع استمرار تدنّي القدرة الشّرائيّة للعملة الوطنيّة وارتفاع سعر صرف الدولار، يوحّد السّواد الأعظم من اللّبنانيّين ولا يميّز بين طائفة وأخرى، وأنّ الظّلم لحق المُودِعين وهم على حقّ في مطالبتهم باسترداد أموالهم، بشرط وقوفهم في وجه من يحاول استغلال ظلمهم لحسابات خاصّة".

وجزم أنّ "الأزمة لا تُحلّ بلجوء البعض إلى المزايدات الشّعبويّة أو استغلاله معاناة اللّبنانيّين، ولا بالعودة للاقتتال"، مشيرًا إلى أنّ "اللّبنانيّين على وجه العموم يتقدّمون في مواقفهم على بعض السّياسيّين، ممّن يتصدّرون الدّعوات للفدراليّة أو لمشاريع غير قابلة للحياة". واعتبر أنّ "حلّ الأزمة يبدأ بانتخاب رئيس للجمهوريّة، لأنّه المدخل لإعادة انتظام المؤسّسات الدّستوريّة، وهذا من مسؤوليّة البرلمان، لأنّ الحكومة ليست من يعوق انتخابه".

وأعرب وزير الدّاخليّة عن أمله في أن "تنضج الظّروف المواتية لإنهاء الشّغور في رئاسة الجمهورية، لأنّ الحكومة لا تحلّ مكان الرّئيس". ورأى أنّ "من ينتقد انعقاد جلسات مجلس الوزراء لتوفير الحلول للمشكلات الضّروريّة والطّارئة الّتي لا تحتمل التّأجيل، يسهم في تفريغ المؤسّسات وشلّ قدرتها على الاستجابة لمعاناة اللّبنانيّين".

وركّز على أنّ "هموم اللّبنانيّين في مكان آخر، وأنّهم لا يأخذون بالحملات الشّعبويّة ولا بشعارات التّحريض"، لافتًا إلى أنّ "انتخاب الرّئيس لا يعني طائفةً دون أخرى، أو يحقّق مكسبًا للمسيحيين دون المسلمين، لأنّه الجامع لهم والقادر على التّوفيق بينهم، بشرط الالتزام بالدستور وعدم الانحياز لفريق على حساب فريق آخر".

إلى ذلك، شدّد على أهميّة "الاعتدال في الخطاب السّياسي، بخفض منسوب التّوتّر والتّحريض. الخطاب الطّائفي لا يعطي الحقوق ولا يحصّن مشروع الدّولة، الّذي يجمع من حوله جميع الطّوائف اللّبنانيّة". وذكر أنّ "على الرّئيس أن يتوجّه إلى المسيحيّين والمسلمين بلا تفريق"، مبيّنًا أنّ "على اللّبنانيّين أن يساعدوا أنفسهم كشرط لطلب المساعدة من المجتمع الدولي".

ودعا مولوي، القوى السّياسيّة إلى "مراجعة مواقفها لتأخذ العبرة من المأساة الّتي حلّت بالبلد"، مؤكّدًا أنّ "البلد لا يقوم على المحاصصة، لأنّ اللّبنانيّين في مكان آخر، وأنّ انتفاضاتهم دليل على أنّ البلد لا يُدار بالطّريقة نفسها الّتي كانت وراء انهياره، وهذا ما يؤدّي إلى إدراج لبنان على خارطة الاهتمام الدّولي، لأنّ هناك ضرورة للتّفاهم معه انطلاقًا من السّير قدمًا في الإصلاحات المطلوبة؛ لإعادة الاعتبار لمشروع الدولة الحاضن الوحيد للّبنانيّين".

وعن الحديث عن التّمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة لسنة جديدة، أعلن أنّ "الوزارة باشرت باتّخاذ كلّ التّرتيبات الإداريّة والتّقنيّة واللّوجستيّة، لإجراء الانتخابات في موعدها في أيار المقبل، وسأدعو الهيئات النّاخبة في نيسان المقبل، للمشاركة في العملية الانتخابيّة". وكشف أنّ "لوائح الشّطب ستكون جاهزة في الشّهر المقبل أمام النّاخبين، للاطّلاع عليها وتصحيح ما فيها من أخطاء، للتّأكّد من خلوّها من أسماء الّذين لا يحقّ لهم الإدلاء بأصواتهم".

وبيّن أنّ "تأجيل الانتخابات البلدية بالتّمديد للمجالس البلديّة لسنة جديدة ليس مطروحًا، وأنّني وبدعم من الحكومة، أصرّ على إنجازها في موعدها، وأنا من يحدّد موعد إتمامها بقرار يصدر عنّي، بشرط أن يتأمّن التّمويل المطلوب لتغطية النّفقات الماليّة المترتّبة على إجراء الانتخابات".

وتابع مولوي أنّ "تأمين التّمويل يحتاج إلى قانون يصدر عن المجلس النيابي، لأنّه ليس هناك احتياط مالي في خزينة الدّولة، لأنّه صُرف في منح العاملين في القطاع العام مساعدات اجتماعيّة"، مشيرًا إلى "أنّه بعث كتابًا إلى وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، يطلب فيه لائحةً بأسماء القضاة، كي يتسنّى للوزارة تعيين لجان القيد للإشراف على العمليّة الانتخابيّة، على أن يصدر تعيين القضاة بمرسوم".

وفي السّياق نفسه، أوضح "أنّه ضدّ تقسيم بيروت إلى بلديّتَين شرقيّة وغربيّة، لأنّ من عجز عن تقسيمها إبّان فترة الحرب الأهليّة، لن نسمح بتقسيمها بقرار سياسي، لئلّا نعود بها إلى هذه الفترة الّتي قسّمتها قسريًّا إلى شطرين. فبيروت تبقى رمز وحدة لبنان وصورته المضيئة إلى العالم، ولن نسمح باللّعب بنسيجها الطّائفي والسّياسي".

وشدّد على "أنّنا نعتمد على وعي أبناء بيروت، لانتخاب مجلس بلدي مناصفةً بين المسلمين والمسيحيّين، والمطلوب من القوى السّياسيّة الفاعلة في العاصمة أن ترعى توافقًا انتخابيًّا، لا يهدّد المناصفة ويوفّر ذريعةً مجانيّةً لمن يروّج لتقسيمها شرقيّة وغربيّة، وتقديمها على أنّها نسخة عمّا لحق بها في الحرب الأهليّة؛ الّتي حوّلتها إلى خطوط تماسّ يُفترض أن تكون من الماضي".