أعجوبَةً لبنانَ أن تَكونَهُ! والأعجوبَةُ لَيسَت وَليدَةَ إستِحالَةٍ بَل إيمانٌ تَفَعلَنَ. مَن صانِعُها؟ أنتَ والخالِقُ... وَلَيسَ الخالِقُ وَحدَهُ. مِن دونِكَ، حتَّى الخالِقُ لا يَجتَرِحُها الأعجوبَةُ. إن كانَتِ تِلكَ قناعَتُكَ، بَلَغَكَ أنَّ الجَوابُ على سؤالِ: هَل يُمكِنُ أن تَكونَ لُبنانِيَّاً، هوَ أنتَ.

وَهَذا لا يُطلَبُ مِن أيِّ مُنتَمٍ الى أيِّ وَطَنٍ، إذ لَيسَ لِأيٍّ كانَ أن يَكونَ وَطَنَهُ. لَيسَ لِأيِّ كانَ أن يُكمِلَ والخالِقَ خَلقَ وَطَنَهُ ذاتاً.

قُلتُ: سؤالاً. والمُستَبِقُ لَهُ: ما مِعنى أن تَكونَ لُبنانِيَّاً؟ قَد تَرى فيهِما، مَعاً، تَحَدِّياً أكبَرُ مِن تَحقيقٍ. إقتَنِع أنَّكَ لَستَ مَدعُوَّاً، إن كُنتَهُ هَذا الُلبنانُ، إلَّا الى إبتِداعِ التَعَملُقِ حَصراً. في ذَلِكَ نِداءُ لُبنانَ-الوجودِ لِلجَوهَرِ-لبنان.

مَهلاً. أنا باليَقينِ والإختِبارِ، عالِمٌ أنَّ طُغمَةً تَسَلَّطَت عَلى مُقَدِّراتِهِ وإستَولَت عَلَيها عُنوَةً وإستَكبَرَت فَحشاً وَتَنَعَّمَت ظَلامَةً، فَقايَضَتكَ بَينَ عَدَمِيَّةِ المَوتِ وَعَدَمِيَّةِ البُطلانِ لِتَجعَلَكَ تَنبُذُ حَتَّى التَلَفُّظَ بِإسمِهِ لبنان، فَكَيفَ إبتِغاءَ أن تَكونَهُ. ألا أدرِك أنَّ ما مِن طُغمَةِ تَوَحُّشٍ إستَدامَت. تِلكَ حَتمِيَّةُ البَغيِّ بِقَدَرِ الباطِلِ. وَما تَفَلُّتُ إستِباحاتِها لِمنَطوقِ الحَقِّ إلَّا لِأنَّها تُدرِكُ مَصيرَها سَلَفاً.

أنتَ تَجاسَر أن تَتَجاسَدَ وَلبنانَ، حتَّى أقاصيَ ذاتَكَ، أمَسيحِيَّاً، مُسلِماً، دُرزِيَّاً، يَهودِيَّاً...، لاطائِفِيَّاً، كُنتَ. لا تَكتَفِ بِهِ صَمتاً ذِهنِيَّاً.

كُنهُ غالِباً، تُدرِكُ أنَّهُ هائِلٌ!.

كُنهُ فَحوىً، تُدرِكُ أنَّهُ مُستَحيلٌ!.

كُنهُ حَياةً، تُدرِكُ أنَّهُ حَقيقَةٌ!.

هوَ في الإمتِحانِ تَبادُعِيَّتُهُ، وَفي التَخصِيصِ صَمِيمِيَّتُهُ.

هوَ في الثَباتِ مِدارِكُهُ، وَفي الإيجابِ وِقفَتُهُ.

هوَ في الروحِ نَهجُهُ، وَفي الإمتِدادِ وثوقُهُ.

أما قَصَدتُ أنَّ قِوامَهُ تُرادِفُ الألَقَ؟

ما يَجِبُ أن يَكونَ

لُبنانُ كائِنٌ! أنتَ يَجِبُ أن تَكونَهُ. لِأجلِ عَبقَرِيَّةِ كَينونَتِهِ. وِرِفقاً بالتاريخِ المَهجوسِ بِنِهايَتِهِ بِسَبَبٍ مِن نِهايَةِ إبداعِ مُبتَكِرِيهِ. إذ ذاكَ لا تَتَنَكَّبُ في مُرائِيَّةِ مَن إستَباحَهُ وإيَّاكَ. ففي تَحبيذِهِ تَرَسُّلَكَ فيهِ، مَهما كُنتَ. وَفي تَخَصُّصِيَّتِكِ هَذِهِ خَلاصُكَ. إنتِماؤكَ الدينيُّ أو اللادِينيُّ لَيسَ بِنَقيضٍ لَهُ يَنقُضُكَ.

مِن يَنقُضُكَ هوَ مَن يَستَعبِدُكَ مِتراساً في وَجهِ لُبنانِيٍّ آخَرَ لِتأبِيدِ تَسَيُّدِهِ عَلَيكَ، وَعَلَيهِ، وَعَلى لُبنانَ في ما هوَ وجودٌ مُتَجَوهِرٌ حَتَّى أقصى تَجَلِّياتِ الحُرِيَّةِ. إذ ذاكَ تُدرِكُ أنَّ مَن يَتَجَسَّمُ التَنابُذَ وَيَستَطمِعُ بِعَصَبِيَّاتِ الحِقدِ، بِها يَدينُ لِتَسَيُّدِ سُدَّتِهِ، لَيسَ بَلُبنانِيٍّ، مَهما إستَعانَ بِفائِضِ بَرابِرَةِ كَسرِ الرؤى المُستَشريَ في كُلِّ مَكانٍ، وَإستَعمى الوجودَ.

تَكُن أنتَ النَهجَ، يُبَيِّنُ أنَّهُ الإنحِرافُ.

أنتَ إندَفِع الى رَحابَةِ كَينونَةِ لُبنانَ، تُغرِقهُ في مَهانَتِهِ.

أنتَ إندَفِع الى مَدى سُموِّ لُبنانَ، تَدفُنهُ في ضَغائِنِهِ.

أنتَ إندَفِع الى وجوبِ لُبنانَ.

مِن شَغَفِكَ إملأ دَقَّاتِ قَلبِهِ... لِكَي لا تَندَمَ الكَلِماتُ الَتي نَطَقتَ بِها لِأَنَّكَ لَم تُسَمِّهِ. كُن كَمِثلِ لُبنانَ، مَنيعاً... حَتَّى بِوَجهِ العَدَمِ. وَمِنعَةُ لُبنانَ في مَدلولِهِ العاقِلِ، الَذي يُظهِرُ أنَّ مِعناهُ رابِطٌ بِمَغزىً وَلَيسَ طارِئاً بإعتِباطِيَّةٍ. أهوَ قَدَرٌ أم قَضَاءٌ، أم كِلاهُما مَعاً؟ حِكمَةُ وُجودِهِ المُتَجَوهِرِ أنَّهُ المِقياسُ... الَذي بِهِ يُبادُ العَبَثُ لِأنَّ بِهِ يُستَدامُ النِضالُ مِن أجلِ الرِجاءِ، وَسطَ أُمَمِ رُكامِ الحُطامِ. كالصَخرِ الَذي بِهِ تُشَرَّفُ القِبَّةُ. هوَ القِبلَةُ. مَن يَحيدُ عَنها، زائِغٌ، مُنقَطِعٌ، ناصِبٌ العَداءَ لِنَفسِهِ.

أن تَتَسانَدَ إلَيهِ، أن تَكونَهُ لُبنان، لا مَناصَ مِنهُ. أجَل! يُمكِنُكَ أن تَكونَ لُبنانِيَّاً. فَفيكَ، مِعناهُ.

*الرسم المرافق مائيّة للفنان ميشال روحانا