على وقع استمرار الفراغ في سدّة رئاسة الجمهوريّة، ومواصلة سعر صرف التّحليق في السّوداء "تحليقه"، أشارت صحيفة "الجمهوريّة"، إلى أنّه "عندما يخضع البلد لمكوّنات تعاني انتفاخاً سياسياً وهمياً يُعمي البصر والبصيرة، وتعتقد انها تحتكم على صك ملكية بالبلد وتتصرف به على هواها، ليس مستغرباً ان يهتز البلد أكثر فأكثر، وينحى الى مزيد من الانزياح، ويتخلخل موقعه على خريطة الدول. وليس مستغرباً ايضاً أن يصاب بالتهابات حادة في كل مفاصله، لا تنفع معها المسكنات ولا المضادات الحيوية، بل قد تتطلّب جراحات عاجلة قبل أن تستفحل ويصعب احتواؤها واللحاق بتداعياتها".

الرئاسة في المجهول

شدّدت مصادر مسؤولة لـ"الجمهورية"، على أنّ "الوضع اكثر من تشاؤمي، فالملف الرئاسي ليس في المربّع الاول كما يحلو للبعض ان يحدّد موقعه، بل انّ التناقضات السياسية وصراع الاجندات الداخلية والخارجية والرهان على متغيرات داخلية او تدخلات خارجية، دفعت به الى مربّع ما تحت الصفر، وعكست نفسها في مجلس النواب، وشَلّت قدرته على انتخاب رئيس للجمهورية؛ وترجم ذلك بأحد عشر فشلاً متتالياً".

وركّزت على أنّ "امام المجلس النيابي سدّاً مانعاً لانتخاب رئيس للجمهورية، حيث لا قدرة لفريق دون آخر ان يبلور الاكثرية النيابية الميسّرة لهذا الانتخاب. وبالتالي لا سبيل لكسر هذا السدّ، سوى بحوار جدي ومسؤول يقود الى توافق على رئيس، ولكن ثبت مع التناقضات القائمة بما لا يرقى اليه الشك، أنّ هذا التوافق مرفوض ومعدوم".

ورأت المصادر أنّ "تبعاً لذلك، طالما ان هذه التناقضات ليست في وارد ان تسلك مسار التوافق والتفاهم، وطالما ان الشخصانية والكيدية والنزعة الانتقامية ستبقى متحكّمة بها، فمن الآن نقول: يحلم من يعتقد انّ في الامكان انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية مجلس النواب، يعني ذلك انّنا امام سنوات من الفراغ في رئاسة الجمهورية، ولبنان اليوم ينازع، فهل سيبقى لنا وطن ودولة حتى ذلك الحين؟!".

العودة الى الحوار

إلى ذلك، وفيما واصلَ بعض النواب اعتصامهم في المجلس النيابي، حتى تحديد موعد لجلسات مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، لفتت مصادر مجلسية، في حديث إلى "الجمهورية"، إلى أنّ "العراضات والاعتصامات الاستعراضية لن تغيّر في واقع الحال شيئاً، ولنفرض ان عقدت جلسات مفتوحة في غياب التوافق الحتمي على رئيس، فهل ستأتي بنتيجة مختلفة عن جلسات الفشل الـ11 التي عقدها المجلس النيابي؟".

وتساءلت: "قبل الحديث عن الجلسات المفتوحة، من هم المرشحون، وبمعنى أدق، هل لدى المعتصمين مرشح جدي وفعلي؟ فهم أنفسهم مختلفون فيما بينهم على من يرشحونه، ويتخبطون بأسماء من هنا وهناك، ويطرحون اسماء لشخصيات بصورة عشوائية استفزّت اصحابها، وبعض هؤلاء الشخصيات استنكروا ترشيحهم، ورفضوا ان تستخدم اسماؤهم في هذه اللعبة".

وأكّدت المصادر أنّ "هذه الألاعيب يجب ان تتوقف، وبدل ان يضيّع الوقت فيها، ثمة فرصة وفّرها رئيس المجلس بجلوس جميع الأفرقاء على الطاولة الحوارية، وليتفقوا على اسم او اثنين او اكثر، ولينزلوا بعدها الى المجلس النيابي وليتم الانتخاب ضمن اللعبة الديموقراطية، ولِيفُز من هؤلاء من يحصد الاكثرية التي تؤهله للتربّع على موقع رئاسة الجمهورية؛ ومن دون ذلك الحوار والتوافق سنبقى ندور في الدوامة ذاتها الى آجال بعيدة".

مصيبتنا بالعقل الخنفشاري

شدّدت مصادر وسطية مسؤولة، لـ"الجمهوريّة"، على أنّ "الحل الداخلي بات ضرورة قصوى، وانتخاب الرئيس ينبغي ان يُقارب خارج مسار النكد والفوقية والطروحات الهَمايونية والعقليات الخنفشارية، واستمرار تعطيل هذا الانتخاب سيرتّب مخاطر كبرى".

وبيّن، وفقاً لما استخلصته من جهات دبلوماسية غربية مختلفة، أنّ "الافق الخارجي مقفل امام لبنان، حيث ان القرار الدولي واحد لناحية اعتبار ان انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تباشر مهام الاصلاح والانقاذ، مسؤولية اللبنانيين وحدهم"، كاشفةً عن "تقارير غربية تُبدي تخوّفاً شديداً من تطورات دراماتيكية محتملة قد تتسارَع في لبنان، لا تشمل فقط مستوياته وقطاعاته الاقتصادية والمالية، بل قد تهدد استقراره الامني. ومن هنا فإنّ الطريق الأسلَم لِتدارك هذه المنزلقات هو بالاستجابة الى الحوار المسؤول الذي اقترحه رئيس مجلس النواب نبيه بري".

مدعي عام التمييز

أفادت معلومات لـ"الجمهورية"، بأن "مدعي عام التمييز لن ينفذ قرارات إخلاء السبيل، كما أنه لن يبلغ أحد من الفرقاء الذين ادّعى عليهم المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ، لأنّه

1- لم يأخذ إستشارة النيابة العامة التمييزية.

2- يعتبر قرار طارق البيطار غير قانوني ومنعدم الوجود، ولا يحق له العودة الى الإمساك بالملف من تلقاء نفسه، بعد توقّف سنة وثلاثة أشهر كان راضخاً فيها لطلبات الرد.

3- لا يحق للمحقق العدلي الحلول محل المحاكم المعروضة أمامها طلبات الرد، والبت بما هو مرفوع بالأساس بوجهه بل ضده!".

من جهتها، تساءلت مصادر النيابة العامة التمييزية، عبر "الجمهوريّة"، عن "الأسباب التي دفعت البيطار الى خرق سرية التحقيق الذي يعتبر مبدأ قانونياً ولا يمكن الخروج عنه، في وقت أقر المحقق العدلي شخصياً بهذا المبدأ عندما قابل الوفد الفرنسي أخيراً، شارحاً لهم ايضاً أنه لا يمكنه تسليم أي معلومات تتعلق بملف تفجير المرفأ لأن يده مكفوفة". وتساءلت أيضًا عن "الجهة المجهولة التي أفتت للقاضي بيطار العودة الى السير بالملف، من دون العودة الى الأصول القضائية اللبنانية!".

وقائع حوار لبناني - أوروبي: إذا عطسنا تصابون بالزكام!

ذكرت "الجمهوريّة"، أنّ "أكثر من مسؤول رسمي، على تماس مع ملف النازحين السوريين، التقط أخيرا إشارات توحي ببدايات تفهّم خارجي لموقف الدولة اللبنانية المصرّ على أن يعتمد المجتمع الدولي مقاربة جديدة لهذا الملف، تعطي الأولوية لمبدأ العودة الآمنة، وتلحظ ان لبنان ليس قادراً على الاستمرار في تحمّل أعباء النزوح الضخمة. الّا انّ تحول هذه الذبذبات المتفرقة دينامية عملية وفعّالة، لا يزال يحتاج إلى وقت إضافي".

وأوضحت أنّ "غالب الظن، انّ أي مرونة خارجية في التعاطي مع صرخة لبنان ليست وليدة "كرم الأخلاق"، بل تعود إلى الخوف من ان تخرج قواعد اللعبة عن السيطرة، وان يتفلّت واقع النزوح السوري من الضوابط المرسومة له، عاجلاً ام آجلاً، مع ما يمكن أن يولّده هذا الاحتمال من تداعيات على الدول الاوروبية، خصوصاً تلك الواقعة على شواطئ المتوسط، وتحديداً لجهة إمكان تدفق مراكب الهجرة غير الشرعية التي لا تملك الأجهزة الرسمية القدرات الكافية لضبطها، إذا ارتفعت وتيرتها".

وتوقع وزير من المعنيين مباشرة بقضية النزوح، عبر "الصحيفة"، ان "يجري خلال العام الجاري تفعيل العودة، خصوصاً انّ التحولات الإقليمية تشجع على ذلك"، مشيراً إلى انّ "التقارب التركي - السوري على سبيل المثال، هو عامل تحفيزي في هذا المنحى".

وكشفت "الجمهورية" أنّ "ضمن سياق متصل، حصل أن التقت قبل فترة، شخصية اوروبية رفيعة المستوى، وزيراً لبنانياً في عاصمة أوروبية، فما كان منها بعدما استمعت اليه وهو يشكو من أعباء النازحين، الّا ان خاطبته بالقول: "أنت تعكس هواجس المسيحيين!". فأجابها: "المسيحيون لديهم من يمثلهم في الأحزاب والكنيسة، انا أمثل موقف الحكومة اللبنانية حصراً، وما اطرحه منسق مع المسؤولين في بيروت، وهو يترجم هواجس جميع اللبنانيين".

وبيّنت أنّ "تلك الشخصية غير المتحمسة لعودة النازحين في الظروف الحالية، اعتبرت انّه يجب على الرئيس السوري بشار الأسد ان ينفّذ بعض الأمور الضرورية، "قبل أن نبادر الى التشجيع على العودة والمساعدة في تحقيقها"، لافتةً إلى أنّ "هنا، ردّ الوزير اللبناني متسائلاً: "لماذا علينا أن ندفع ثمن خلافكم مع الأسد؟ علماً انّه يوجد ديكتاتوريون في كل العالم العربي، وانتم تتعاونون معهم". وأضاف متوجّهاً إلى مضيفه الأوروبي: "الأسد وضعه جيد بفعل تحالفه مع روسيا وايران، والأرجح انّه لن يقبل بشروطكم. وفي ما خصّ الإصلاحات الداخلية، اتركوا للدول ان تطبّقها وفق توقيتها وتبعاً لما يناسب ظروفها، وها هو ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بدأ في تنفيذ اصلاحات هائلة في السعودية عندما وجد انّه يستطيع إنجازها".

وركّزت على أنّ "في معرض التحذير من صعوبة ضبط تداعيات النزوح السوري، لفت الوزير اللبناني انتباه الشخصية الاوروبية، الى أنّ "الشرق الأوسط وأوروبا متداخلان، إلى درجة انّه إذا عطس أحدهما يصاب الآخر بالزكام أيضاً". واعتبر أنّ على الغرب ان يبادر طوعاً إلى وقف التدخّل السلبي في شؤون دول المنطقة، قائلاً لمضيفه: "نصيحتي خذوا هذا الـ credit".