ليس خفيًا على أحد منّا ومن الذين قصدتُ توجيه رسالتي هذه إلى مقاماتهم الكريمة أنّ هناك أزمة سياسية، أمنية، إقتصادية، مالية وإجتماعية حاليًا، وهي شبيهة بالأزمة التي عرفتها دولة فلسطين قبل النكبة، لكنها في الواقع تختلف من حيث الأسباب وحجم التداعيات التي تمُّر علينا.

لبنان أيُّها الآباء ويا أصحاب الفخامة والسعادة والمعالي، ويا أيُّها المناضلون الشرفاء يشهد تدهورًا سياسيًا وعلى كافة المستويات، ويتزامن هذا الأمر مع عملية تضخُّم هائلة إنعكستْ سلبًا على اللبنانيين عامةً والمسيحيين خاصةً والموارنة تحديدًا، فيما نحن اليوم نعاني إفلاسًا في كل بنيتنا العلمانية والدينية، ولم يَعُدْ مقبولاً السكوت عن هذا الإفلاس القاتل، وبصريح العبارة أينما إتجهنا نلاحظ إشمئزازًا من كل القادة الزمنيين والروحيين ويكفي أنْ نجول في أبرشياتنا وأقضيتنا لنلمُسَ لمسَ اليد حقيقة ما أسرده من وقائع مخيفة.

نعم هناك هروب من تحمُّل المسؤولية وتطبيق إصلاحات سياسية–كنسية جذرية، وفي الحالتين هناك سمة رئيسية لسياسة ما يُعرف بالـ"الترقيع" على المستويين الديني والعلماني، وهذا الأسلوب لا يوصلنا إلى أي مكان، بل هو وللأسف مضيعة للوقت وتمييع المطالب... ونظامنا الكنسي ونظامنا السياسي يواجهان أكبر أزمة سياسية وجودية في تاريخنا الحافــل بنضالات أجدادنا ويخجــل التاريخ الحالي من سخط أفعال مسؤولينا الروحيين والزمنيين...

أزمات تلد أزمات: أزمة نظام، أزمة إقتصادية، أزمة أمنية، أزمة سيادة، أزمة ثقة مستفحلة بين الرعية والراعي الأكبر، أزمة طبابة، أزمة تربوية، أزمة مالية، أزمة بيع الأراضي لغير اللبنانيين، أزمة سلاح غير شرعي كُدِّسَ بطرق غير شرعية، أزمة حُكّام، أزمة إرتهان للخارج وتدخُّلْ سافر في شؤون لبنان، أزمة التطاول على المواثيق الدولية وعلى إتفاقية جنيف التي ترعى العلاقات بين الدول، أزمة رؤوس "مفوْخرة" لا تنفع بل تضُّر...

البعض من صُنّاع القرار في لبنان، وخصوصًا منهم العلمانيّن يسعون جاهدين لخلق الأزمات وتسخين جبهات الصراع ضدّ كل من يعتبرونهم يهدّدون أو يتجرأون على الوقوف بوجههم وبوجه المؤامرة التي يحيكونها، انّ ما نشهده اليوم من أفعال تتناقض وشرعة حقوق الإنسان يُعبِّر عن مدى الإحتقان الذي تشهده الساحة اللبنانية عامةً والمسيحية خاصةً، وفي نفس الوقت مدى تهوّر المسؤولين العلمانيين والروحيين الذين يعتمدون سياسة التغاضي أو عدم المواجهة للتطنيش عمّا يحصل، فسياساتكم باتت مكشوفة وملموسة للرأي العام ولم يَعُدْ خافيًا على أحــد مدى تورطكم في تلك المؤامرة الخبيثة المتنوعة والهادفة إلى تشريد المسيحيين من ديارهم.

أنتم يا سادة فقدتم القدرة على فهم التحوّلات التي تشهدها الساحة المحلّية والساحتين الإقليمية والدولية، وما يتراكم من قوّة غريبة تتقدّم على الساحة اللبنانيّة وهو ما يرجح الوضع إلى خلق أزمة ديمغرافية يصعب إحتواؤها في هذه المرحلة وفي ظل تواجدكم في مراكز القرار.

أيُّها السّادة من زمنيين وروحيين، أنتم مسؤولون وليس بمقدوركم إعفاء أنفسِكُم من شرّ ما يحصل من خطر بيع الأراضي في الأقضية المسيحية، إنّ ملف بيع الأراضي والعقارات والتعّدي على أملاك الكنيسة والمشاعات أمر خطير وخطير جدًا وأراكم "مطّنشين وغير مبالين" عن الموضوع والأنكى أنّ البعض منكم يتجه إلى تمويه الأمر بما يسوّقه بالـ"الدكيشه"... إنّ هذا الأمر خطير وخطورته تكمن في المساحات التي بيعت للغرباء منهم لبنانيون من الطائفة المُسلمة ومنهم من الجنسيات العربية والأجنبية، ويتزامن مع أزمة مالية وإنهيار القطاع المصرفي وسرقة أموال المودعين... والأمر الملفتْ أنّ في الكواليس مشروع قانون يقضي بتسييل مشاعات الدولة وبيعها، وما من أحد فكّر منكم في خطورة هذا الأمر وما الغاية من هذا الفعل الشنيع تحت نظركم، لا يمكنكم تجاهل خطورته والغاية منه هي نقل المُلكية من الدولة إلى مجموعات ثريّة تحكم خلافًا للقانون، وهي متلهّية في موضوع إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وعطب الجمهورية هو أنتم يا سادة.

كيف تُبرِّرون بيع الرهبنة الأنطونية لبعض عقاراتها في منطقة حسّاسة أي بلدتي الحدت–بعبدا، لجهات ثبُت بالوقائع أنها من الموالية لحزب الله، إضافة إلى هذا الأمر الخطير هل لفتَ نظركمْ ما يحصل في منطقة الأشرفيّة وهو عمل غير مقبول، أي بيع عقارات بالقرب من ساحة ساسين أيضًا إلى جهات غريبة عن المنطقة وهي بالتحديد من المقربين من"حزب الله". ألا تخافون الله وتتّقوه، هناك عمليات تنشيط بيع فرديّة وتتم عبر كتّاب العدل وهذا ما يصعُبْ إكتشافه حاليًا، وهذا الأمر يفتح الباب واسعًا أمام التلاعب العقاري في المناطق المسيحية. فكيف تستقبلون من مسؤولي "حزب الله "تحت ستار حــل موضوع الأزمة الرئاسيّة وكأنّ هذا الحزب هو المكوّن الرئيسي في البلاد وله الكلمة الفصل في كل شيء...

هل تتذكرون المذكّرة التي أصدرها وزير الماليّة الأسبق علي حسن خليل في 31 كانون الأول 2015، والتي نقل بموجبها ملكيّة مشاعات جبل لبنان من أهالي القرى إلى الدولة... إنّ من يعجـــز عن التصّدي للتعديات التي تجري على أملاك الكنيسة في كل لبنان وليس في قضاء جبيل فقط عليه الإستقالة من المراكز الأولى سواء أكانت روحية أو سياسية، وإن من يتآمر على بيع الأراضي هو مجــرم سفّاح يجب محاكمته كنسيًا وعلمانيًا لخطورة الجرم الذي إرتكبه .

ما الهدف من سكوتكم وعدم مواجهتكم لخطورة الأمر؟! حذار السكوت عن هذا المخطّط الجهّنمي، إعلموا أنّ لدينا ملفًا موثقًا عن كل عمليات البيع، وإعلموا أيضًا أنّ كل متآمر على تراب لبنان المقدّس معلوم من قبلنا، وسنسعى جاهدين إلى إيقاف هذه الجرائم التي تسكتون عنها سواء أكان باللجوء إلى القضاء أو بترغيب المهاجرين المسيحيين على الشراء والإستثمار في لبنان، وفي الحالتين لن ولن وتسلموا من قوس العدالة.