على بُعد يوم واحد من دخول الفراغ في ​رئاسة الجمهورية​ شهره الرّابع، أكّدت مصادر مسؤولة لصحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "رئاسة الجمهوريّة في ​لبنان​ في هذا الجو المعطّل، دخلت فعلياً في مرحلة الموت السريري، بعدما فشلت كلّ محاولات إنعاشها، وتبعاً لذلك يمكن القول بكل ثقة بأنّ فترة الفراغ في رئاسة الجمهوريّة باتت مفتوحة على شهور طويلة".

ولفتت إلى أنّ "لا شكّ انّ المعطلين حققوا هدفهم، وانتصروا على لبنان، وشرّعوه بكل مفاصله امام صعوبات ومنزلقات واحتمالات وسيناريوهات سوداء، توجب علينا ان نستعد لدفع أثمان باهظة على كلّ المستويات، وخصوصاً على المستويين الاقتصادي والمالي".

مثلث التعقيد

بدورها، أشارت مصادر وسطية لـ"الجمهورية"، إلى أنّ "رئيس مجلس النوّاب ​نبيه بري​ رسم منذ ما قبل الشغور الرئاسي، طريق انتخاب رئيس الجمهورية، عبر معبر وحيد هو التوافق، ومع الأسف قُطع هذا الطريق من قِبل رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ ورئيس "التيار الوطني الحر" النّائب ​جبران باسيل​، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​ دخل في محاولة شخصية في اتجاهات مختلفة، لبناء مساحات مشتركة وخلق مناخات حوارية تتوسع من خلالها الخيارات، وتفضي بدورها إلى توافق على رئيس؛ ومع الأسف لم يوفّروا لها إمكانات النجاح".

وبيّنت أنّ "بالتالي، بقي الملف الرئاسي عالقاً وضائعاً في الصراع القائم بأبعاده وغاياته السياسية والحزبية والشعبوية، بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، وكذلك في تشبّث البعض بمرشح معيّن، في اشارة غير مباشرة إلى "​حزب الله​"، مركّزةً على أنّ "عند هذا المثلث تكمن العقدة الأساس، وطالما انّ هذه العقدة موجودة وباقية على ما هي عليه، لن يكون هناك رئيس للجمهورية".

عصا الوصاية!

في السياق ذاته، كشفت مصادر واسعة الاطلاع للصحيفة، أن "لا حراك على أي مستوى في ما خصّ الملف الرئاسي، ولا جديد نهائياً لدى بري سوى انتظار استفاقة من رافضي التوافق. كما لا جديد من شأنه ان يدفع مسعى جنبلاط إلى الامام، بعدما اصطدم بتناقضات عصيّة على التفاهم، ولا توجد أي قناة تواصل داخلية مفتوحة، من أي كان مع اي كان؛ ما يعني انّ الملف الرئاسي بات في جمود تام في المربّع صفر".

وعن مآل الامور، وما إذا كان فتح هذا الانسداد لا يزال ممكناً، قال مسؤول كبير لـ"الجمهورية"، "شو بدّك اكتر من هالبهدلة؟". بازار البهدلة مفتوح، وصار الوضع مخجلاً، صرنا نستحي ان ننظر في وجوه الناس، هل يُعقل اننا ما عدنا نعرف ماذا نقول؟ يأتي الينا زوار اجانب وسفراء، ويسألوننا عن رئاسة الجمهورية ولماذا لا تتوافقون على رئيس، فنحتار بماذا نجيب؟".

وذكر "أنّني بتّ مقتنعاً انّ إرادة التعطيل تستجدي التدخّل الخارجي، وإن دلّ ذلك على شيء، فعلى انّ جماعة التعطيل رافضة ان تبلغ سن النضوج السياسي، والانخراط في المسار الذي يجعل القرار واختيار رئيس الجمهورية صناعة لبنانية، وبالتالي هي ماضية في المنحى الذي يبدو مع الأسف انّها اعتادت عليه، بأنّها لا تسير في اتجاه التوافق سوى تحت الضغط، وبعصا الوصاية، على غرار ما كان يحصل في السنوات الماضية".

الحزب والتيار

قرأت مصادر سياسية، عبر "الجمهورية"، في اعلان باسيل بأنّه يفكر في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، "إشارة سلبية للتيار، عنوانها "أنا او لا أحد"، بحيث حصر الترشيح بشخصه، وحظّر على اي عضو ماروني في تكتل "لبنان القوي" ان تراوده فكرة الترشيح. وكذلك اشارة اكثر من سلبية في اتجاه حليفه "حزب الله"، قطع من خلالها الطريق نهائياً على اي استجابة من قبله لأي مسعى يمكن ان يبادر اليه الحزب، لتليين موقفه".

من جهتها، رأت مصادر معارضة لـ"الجمهورية"، أنّ "ما اورده باسيل لم يكن مفاجئاً، وكنا نتوقع ذلك، لأننا مدركون انّ هذا هو توجّهه من الأساس، وبالتالي اعلن باسيل ترشيحاً مقنّعاً"، معتبرة انّه "يقدّم بذلك خدمة كبرى إلى جبهة الخصوم العريضة التي بناها، نحن مع اقتناعنا من الأساس بأن لا مرشح للتيار غير باسيل، نقول انّ من حقه ان يترشح ولا احد يملك ان ينتزع منه هذا الحق، ونحن نشجعه على ان يترشح رسمياً، وما نتمناه فقط هو ان تتبع هذا الترشيح جلسة انتخابية ويُصار الى التصويت؛ وساعتئذ سيذوب الثلج حتماً".

بدورها، شدّدت مصادر سياسية، عبر الصحيفة، على أنّ "جوهر مؤتمر باسيل هو استجرار السجال مع مختلف الأفرقاء، وكلامه يبدأ بشيء وينتهي بشيء آخر، حيث انّه يقدّم مطالعة مطولة عن التوافق وضرورته، ثم يقفز من مركب التوافق إلى خندق التحدّي".

أمّا مصادر حركة "أمل"، فرضفت الردّ عبر "الجمهورية"، على ما سمّتها "الإشارات الاستفزازية التي اطلقها باسيل في اتجاه بري"، مؤكّدةً "أنّنا لن ننجرّ إلى اي سجال، وبري ليس في حاجة إلى شهادة من احد، وفي اي حال الطريق إلى رئاسة الجمهورية هو التوافق الذي لا مفرّ منه في نهاية المطاف ومهما طال الزمن".

"حزب الله": إمتعاض

كشفت مصادر مطلعة على اجواء "حزب الله" لـ"الجمهورية"، أنّ "وقع كلام باسيل كان له صدى بالغ السلبية في اوساط الحزب، التي عكست امتعاضاً من المنحى الذي يسلكه باسيل، والذي بدا انّه يقطع شعرة التواصل نهائياً بين الجانبين في ما خص الملف الرئاسي".

لقاء ​باريس

أشارت مصادر دبلوماسية في باريس، لـ"الجمهوريّة"، تعليقًا على الاجتماع الخماسي الاميركي- الفرنسي- السعودي- القطري- المصري، المفترض انعقاده في العاصمة الفرنسية الاسبوع المقبل، إلى "انّها لن تخوض في أي مواعيد مرتبطة بهذا الاجتماع".

وأفادت بانّ "هذا الاجتماع، فيما لو عُقد، ليس اجتماعاً تقريرياً او ينوب عن اللبنانيين في مسؤوليتهم في اختيار رئيس للبنان او تحديد مواصفاته، او تبنّي بعض المرشحين، وإلزام اللبنانيين بهذا الاسم او ذاك من المرشحين، خلافاً لما نسمعه من روايات تُنسج في لبنان، وتحمّل الاجتماع اكثر مما يحتمل، بل هو في جوهره يشكّل عاملاً مساعداً للبنانيين لا اكثر، لحثهم على تحمّل مسؤولياتهم وانتخاب رئيسهم وتشكيل حكومة إنقاذ واصلاحات قبل فوات الاوان".

المأزق عميق

في موازاة المشهد السياسي المعقّد، مشهد قضائي اكثر تعقيداً، وفي اجواء العدلية علامات استفهام حول المسار الذي سيسلكه الاشتباك القضائي، شدّد مرجع قضائي سابق لـ"الجمهورية"، على أنّه "لم يسبق للقضاء أن واجه وضعاً صعباً مثيراً للقلق والخوف عليه، كما هو حاله اليوم، وبالتالي لم تعد ثمّة أولوية تتقدّم على أولوية ترميم صورة القضاء، لا بل سمعة القضاء واستعادة مكانته وإعادة الاعتبار لقوس العدالة".

وركّز على أنّ "هذا الأمر، في ظلّ وضع يعتريه الانقسام والتباين، وأكاد اقول الفرز العمودي والأفقي، يتطلب جهداً ومسؤولية وإرادة ما فوق الخارقة، والأهم من كل ذلك النأي بالقضاء عن المداخلات. وكل تأخير في ذلك، نتيجته الحتمية تعميق مأزق القضاء اكثر، والمبادرة بالتأكيد هي في يد مجلس القضاء الأعلى".

نقاشات وصعوبات

كشفت معلومات "الجمهورية"، أنّ "نقاشات جارية على مستويات قضائية مختلفة، لتلمّس كيفية الخروج من المأزق الذي أُسقِط القضاء فيه، والتوجّه الغالب في هذه النقاشات يرى ضرورة ان يسارع مجلس القضاء الاعلى إلى التقاط المبادرة".

في السياق، أوضحت مصادر مطلعة على خلفيات ومستجدات الصدام القضائي لـ"الجمهورية"، أنّ "العقدة الأساس تتمثل بمطبّات وصعوبات لا يستهان بها، تعترض مسار أي محاولة للخروج من هذا المأزق، وتتجلّى بشكل خاص في "الإرباك" الحاصل في مجلس القضاء الاعلى، الذي يبدو أنّه حتى الآن مقيّداً بالاعتبارات والتباينات والحسابات، التي تحول دون قدرته حتى على الاجتماع واتخاذ القرارات والاجراءات والخطوات التي تتوفّر من خلالها قوة الرّفع اللازمة للقضاء من هذا المأزق".

باسيل يغرّد وحيداً ويتخبّط سياسياً

رأى مصدر نيابي لبناني بارز، في حديث إلى صحيفة "الشّرق الأوسط"، في معرض تعليقه على "الحملات السياسية التي شنّها باسيل على حلفائه وخصومه في آن معاً"، أنه "يمر بحالة من القلق والاضطراب والتخبُّط، لأنه كان يستمد قوته من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون. وهذا ما يفسر إصراره على انتخاب رئيس للجمهورية على قياسه، لعله يستعيد نفوذه الذي فقده، ويؤمّن الاستمرارية السياسية لـ"العهد القوي"، بعد أن اكتشف أنه لم يعد يمون على كبار الموظفين الذين عُيّنوا إبان تولي عمه رئاسة الجمهورية".

وتحدّى المصدر، باسيل بأن "يعلن رسمياً ترشّحه لرئاسة الجمهورية، لأنه سيجد نفسه وحيداً، وسيواجه صعوبة في إقناع بعض النواب المنتمين إلى "لبنان القوي" بتأييد"، مبيّنًا أنّ "باسيل يسعى بتهديده بالترشّح إلى لملمة الوضع بداخل تكتل "لبنان القوي"، لقطع الطريق على تشتيت أصواته، بعد أن امتنع عن ترشيح أحد نوابه للرئاسة بذريعة أن فرصة الفوز ليست متاحة له، وهذا ما يدفع عدداً من النواب لاحقاً للمطالبة بترك الحرية لهم في انتخاب الرئيس".

في هذا السياق، توقّف مصدر سياسي مواكب للأجواء الرئاسية، عبر "الشرق الأوسط"، أمام "قول باسيل إن على المسيحيين مسؤولية أن يتفقوا، لأنه باتفاقهم يمكنهم في هذا النظام أن يحققوا خيارهم ما دام خيارهم وطنياً"، مشيرًا إلى أنّ "باسيل يستنجد بخصومه وأولهم جعجع، لعله يعيد خلط الأوراق الرئاسية التي وحدها تفك عنه الحصار السياسي المفروض عليه، من جراء إقحام نفسه في اشتباكات سياسية لم يوفر منها أحداً".

ووجد أن "هجوم باسيل المباشر على قائد الجيش العماد ​جوزف عون​، لا يأتي في سياق إدراج اسمه على لائحة المرشحين للرئاسة من قبل وليد جنبلاط فحسب، وإنما يتوخى من تأزيم علاقته به أن يتم تمرير رسالة إلى الدول التي ستشارك في لقاء باريس، يتطلع من خلالها إلى إصدار بيان بإعلان النيات، يكون بمثابة خريطة طريق تتصدرها المواصفات التي يجب أن يتمتع بها المرشح لرئاسة الجمهورية، وإن كانت ستخلو من أسماء المرشحين".