على التلة هناك في قورش، طيف اضناه الصوم، وانهكته الاماتات، وانهكه طوال السهر والصلاة. انه طيف مارون الناسك في العراء، متحملاً صقيع وبرد الشتاء ولهيب وحر الصيف، وعلى جسمه لباس بالكاد يحميه من صقيع الشتاء وحر الصيف اللاهب، نسك في العراء في ارض افاميا المليئة بالنساك والزهاد.

انه مارون الناسك المتصوف الزاهد بمجد العالم ومباهج الدنيا ورفاهيتها وملذاتها.

انه مارون الالهي الغارق في الله وفي التطلع الى السماء للقاء الوحيد المطلق الازلي يسوع المسيح. صعد الى الجبل في العراء في قورش، وهذا الصعود هو مسيرة نحو السماء، ونحو الاعالي بتجرد عن كل ما في الدنيا من مجد وسلطة ولذات.

هكذا صعد الموارنة تاركين السهول الخصبة، طالبين الحرية والكرامة في جبال لبنان الوعرة والصخرية، التي جددوها وحولوها الى جنائن غنّا ، هضبة تفيض بالخير والرزق والغلال وكرامة العيش وعزة الحياة بشرف وحرية وكرامة وعنفوان.

هكذا صنع شربل ايضاً

صعد الى جبل عنايا، فالتقى جبل عنايا بجبل قورش، وعاش شربل في محبسة عنايا بالزهد والفقر والبساطة، متحملاً ثلجاً وصقيعاً ورياح جبال لبنان الباردة التي قال فيها المتنبي: وجبال لبنان وكيف بقطعها وهو الشتاء وصيفهن شتاء الذي يجمع بين التلتين.

هو مجد الله المتجلي في القيم والعراء، والتجرد والتمسك بالحرية والقداسة والكرامة وعزة النفس، والنهود الدائم الى السماء الى لقاء وجه، والاستغناء عن الدنيا وزائلاتها،ـ الى الثابت الدائم الوحيد المطلق المعطي المعنى لحياتنا ولوجودنا.

شخصية مارون الزاهد في العراء على التلة هناك في قورش، وشخصية الموارنة الزاهدين في جبال لبنان الوعرة والصخرية لاجل ايمانهم وحريتهم وكرامتهم.

شخصية واحدة متلازمة تنبع من الانجيل ومن حب الله

تتميز هذه الشخصية المارونية بلاهوت التجسد، اي ان الله تجسد وصار انساناً والانسان تأله بنعمة تيولوجيا التجسد والتقت التيولوجيا بالانتربولوجيا. الله تجسد آخذاً جسداً، والانسان تأله واخذ نعمة الالوهة. هذا هو لاهوت وفكر وفلسفة الموارنة، فاعطوا ارضهم نعمة القداسة بدخولها الى صلواتهم ورتبهم وطقوسهم وصلواتهم واناشيدهم ، فصارت عندهم صورة العذراء مريم: ارزة لبنان.

عيد مار مارون مبارك على الجميع، لان مار مارون هو قديس الكنيسة جمعاء الارثوذكسية والكاثوليكية، لانه كان قبل الانشقاق الكبير. والكنيسة الارثوذكسية تعيّد له في 14 شباط .

فلا تخف ايها القطيع الصغير، لكَ مارون في السماء سفير، ولكَ شربل ورفقا ونعمة الله واسطفان وبونا يعقوب وكوكبة الشهداء والابرار.