الزلزال المدمّر الّذي ضرب تركيا وسوريا أمس، كان الطّاغي الوحيد على المشهد الدّاخلي والإقليمي، رغم الاجتماع الخماسي في باريس وجلسة حكومة تصريف الأعمال..

واعتبرت مصادر سياسيّة، في حديث إلى "الجمهوريّة"، أنّ "ما بعد الزلزال ليس ما قبله"، مؤكّدةً أنّ "الطبيعة تمنح اللبنانيين فرصة لأن يعودوا إلى ذواتهم، وعلى أساس ما استُجد يفترض بكل مكونات الاشتباك الداخلي ان تتعظ مما حصل، وتسلك بلبنان المسار التحصيني له". لكنها نعت هذه الفرصة "أمام إصرار هذه المكونات على السير على خط الزلزال السياسي ومفاقمته، بما يعجّل بانفجاره".

وركّزت على أنّه "مهما اشتدت العاصفة المناخية التي تضرب لبنان، فإنّ عمرها قصير، ومحطات الأرصاد تتوقع انحسارها في غضون الساعات المقبلة، وبالتالي فإنّ الجليد الطبيعي سيذوب حتمًا، الّا انّ العاصفة السياسية التي تهبّ على البلد من كل حدب وصوب داخلي، وتقطع اوصال الملف الرئاسي، تحتاج لتجاوزها -كما يُقال بالعامية- إلى "حلم الله". ذلك انّ الجليد السياسي المتكون على مختلف الخطوط الداخلية والطرقات المؤدية إلى شيء من الانفراج، من النوع الفولاذي الصلب العصي على الذوبان وحتى على الانصهار، مهما بلغت درجة حرارة وسخونة محاولات الصّهر والتذويب".

باريس تتمنى

لفتت "الجمهورية" إلى أنّ "كل محاولات الداخل مُنيت بالفشل، وانتقلت عيون المراقبين لترصد الاجتماع الخماسي الاميركي- الفرنسي- السعودي- القطري- والمصري في باريس، وما سيتمخض عنه، في الوقت الذي برزت اشارات سابقة له، تحصر فعاليته ضمن حدود مطالبة اللبنانيين، والتمني عليهم إنجاز استحقاقاتهم والاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تمهّد لإنقاذ لبنان من أزمته".

وذكرت معلومات الصحيفة أنّ "ما يُنقل عن الفرنسيين لا يعطي عنوانًا لاجتماع باريس، أكثر من كونه تجديدًا للفرصة امام اللبنانيين لبلورة حل رئاسي، وفرنسا في صدارة الداعمين لهذا التوجّه. وأفادت مصادر دبلوماسية لـ"الجمهورية"، بأنّ "سلسلة رسائل بهذا المعنى ارسلتها باريس إلى القادة في لبنان، والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو عكست بوضوح شديد، بأنّ باريس على التزامها بدعم لبنان، وتتملكّها رغبة فائقة في وضع حصان الحل امام العربة اللبنانية. الّا انّ الأساس في كل ذلك يبقى في أن يلقى هذا الحل الدعم، ليس من اصدقاء لبنان، بل من القادة في لبنان".

واشنطن تحذّر

كشف عائدون من واشنطن، لـ"الجمهوريّة"، أنّ "الولايات المتحدة الأميركية تتقاطع مع فرنسا وسائر الدول الصديقة، لناحية دعم لبنان واستقراره، الّا انّ حدود مقاربتها للملف اللبناني لا تتجاوز النقاشات مع الأصدقاء، على شاكلة اجتماع باريس"، مشيرين إلى أنّ "دعوات تلقّتها مستويات اميركية مختلفة من جهات لبنانية وسياسية ونيابية، بممارسة دور فاعل تجاه لبنان، الّا انّها لم تلق استجابة من الجانب الاميركي. وثمة اشارات واضحة واكيدة تلقّاها أصدقاء واشنطن في لبنان، بأنّها لن تتدخّل بصورة مباشرة في الملف الرئاسي اللبناني".

وأوضحوا أنّ "الاولويات الاميركية محصورة في المجال الاوكراني، والحرب الباردة التي لم تعد خفية بين واشنطن والصين، والتي بدأت تسلك منعطفات حادة في الآونة الأخيرة، وأزمة المنطاد دخلت مدار التفاعل وباتت مفتحة على احتمالات كثيرة. وتبعًا لذلك، فإنّ حضور لبنان لدى الادارة الاميركية هو حضور عرضي، وليس حضورًا يتسم بالاولوية والجدّية".

ونقل هؤلاء "قراءة اميركية سوداوية للواقع اللبناني، تحذّر من مخاطر محدقة بلبنان، وتتوقع مزيدًا من التأزّم في مدى غير بعيد، وعلى مستويات مختلفة"، مبيّنين أنّ "المسؤولين الاميركيين سواء في البيت الابيض او في الخارجية الاميركية، يعتبرون أزمة لبنان بلغت مستويات ما فوق الخطورة، وانّ على اللبنانيين ان ينتشلوا انفسهم من خانة التعقيدات القائمة، ويتبعوا المسار الذي يؤدي إلى إنقاذ لبنان واستعادة توازنه السياسي والاقتصادي. وواشنطن اكّدت على اختلاف مستوياتها، وما زالت على تأكيدها، بأنّ المسؤولية الاولى والاخيرة تقع على اللبنانيين لفك هذه التعقيدات قبل فوات الأوان، وبلورة الحل الذي ينسجم مع مصلحة لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة، ويلي ذلك حكومة جديدة تقود لبنان خارج مأزقه. ودون هذا المسار لن يجد لبنان له مخرجًا من أزمته".

قصة "الهزّة" التي أصابت المضاربين!

أكّدت "الجمهوريّة" أنّ "الهزة الأرضية التي تعرّض لها لبنان لم تكن هي الوحيدة، إذ انّ "هزّة" أخرى على مقياس ريختر القضائي- الأمني أصابت أيضًا عددًا من الصرّافين المضاربين وغير الشرعيين الكبار، الذين تمّ توقيفهم خلال الأيام الماضية، ما دفع إلى التساؤل حول حيثيات "عملية التنظيف" هذه، بعدما تمّ غضّ الطرف عنهم من قبل".

ورَوت مصادر مطلعة على مجريات المطاردة الواسعة للمضاربين، للصحيفة، أنّ "هؤلاء خرقوا خلال الفترة الأخيرة قواعد الاشتباك في السوق السوداء، وباتوا خارج السيطرة، ما استدعى تأديبهم في نوع من "هزّة البدن" و"هزّ العصا"، كاشفةً أنّ "المضاربين الكبار أصبحوا أخيرًا شبه ميليشيا، إلى درجة انّهم كانوا يوعزون احيانًا إلى جماعاتهم بقطع الطرق وحرق الدواليب، بغية توتير الأوضاع ورفع سعر الدولار، حتى يبيعوه بسعر مرتفع ويحققوا ارباحًا طائلة".

ولفتت إلى أنّ "الأمور تفاقمت أخيرًا، نتيجة طمع المضاربين الذين لجأوا إلى رفع الدولار آلاف الليرات في أيام قليلة، بحيث زاد سعره من 50 ألفاً إلى 65 الف ليرة خلال وقت قصير، ما هدّد بحصول تداعيات اجتماعية وميدانية كبيرة ووخيمة، إضافة إلى تفاقم الخشية من احتمال وصوله قريبًا إلى سقف الـ100 الف ليرة، خلافًا للعوامل الاقتصادية الحقيقية التي، وإن كانت سيئة، لا تبرّر مثل هذه القفزات الهائلة".

وركّزت على أنّ "حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شعر في الأيام الماضية، بأنّ خيوط اللعبة أفلتت منه، وانّ المضاربين الكبار في السوق السوداء، الذين هو من كان يتحكّم بإيقاعهم، باتوا هم من يلجأَون إلى ابتزاز البنك المركزي وبيعه الدولار بسقوف عالية جدًا"، مشدّدةً على أنّ "رموز المنصات والتطبيقات غبر المشروعة، كانوا يحدّدون السعر وفق مصالحهم، ولم يعد مصرف لبنان قادرًا على تطويعهم وفق ما تقتضيه حساباته، فاستنجد حاكمه برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للجمهم".